Telechargé par Mustapha HMIMOU المصطفى حميمو

المصطفى حميمو : طلب تدريس القانون بالتعليم الأساسي

publicité
‫مطلب تدريس القانون بالتعليم األساسي‬
‫المصطفى حميمو‬
‫مطلب وجيه في اعتقادي‪ ،‬فظل وال يزال يحضر بقوة في ذهني كلما سمعت مبدأ "ال يعذر أحد بجهله‬
‫للقانون‪ .‬لـــمــــاذا؟ لسياقة سيارة مثال‪ ،‬ال بد من رخصة تشهد لحاملها بأنه على دراية تامة بقانون السير‪ .‬فال يُعذر‬
‫حينها وبحق بجهل ذلك القانون‪ .‬بل حتى المباريات الرياضية لها قوانين وقواعد تنظمها وتحكُمها حتى ال تتحول‬
‫إلى فوضى‪ .‬فما من ممارس إال ويجب أن يكون على دراية تامة ومسبقة بتلك القواعد مثله في ذلك مثل الحكم‪ ،‬فال‬
‫يعذر بجهلها‪.‬‬
‫إال أن سياقة السيارة والمشاركة في المباريات الرياضية هي أنشطة تمارس باالختيار‪ .‬فال يلزَ م معرفة‬
‫قوانينها سوى من اختار ممارستها‪ .‬بينما ال اختيار ألحد في العيش في المجتمع‪ .‬والمجتمع محكوم مثل السياقة‬
‫والمباريات الرياضية بقواعد وقوانين تنظمه‪ .‬وكل منا يولد مـــقـــهـــورا على العيش فيه طيلة حياته‪ .‬فكيف يصح‬
‫ذلك بالشكل اآلمن و السليم والرشيد وهو يجهل أبسط قوانينه؟ ثم لما يخرقها يجد نفسه متابعا قضائيا وفق مبدأ "ال‬
‫يُعذر أحد بجهله للقانون"‪ .‬أمر غير معقول وغير منطقي بل وليس من العدل في شيء‪.‬‬
‫هكذا قد يجد المواطن المحترم نفسه ُمتابعا قضائيا بسبب فعل تجاوز فيه الحدود القانونية وهو ال يدري‪.‬‬
‫وذلك من مثل نقاش مع موظف تعسف عليه‪ ،‬فيجد نفسه متابعا بتهمة إهانته أثناء مزاولة مهامه التي يعاقَب عليها‬
‫بالحبس مع غرامة مالية‪ .‬وقد يجد نفسه متابعا أيضا بسبب إهماله لفعل وهو ال يدري أنه واجب قانونا‪ ،‬من مثل‬
‫اإلبالغ عن حصول جريمة ثبت فيما بعد أنه عاينها أو فقط علم بوقوعها‪ ،‬فيعاقب عليها بمثل ذلك‪ .‬وال يحق له أمام‬
‫القاضي االعتذار بجهله للقانون‪ .‬مبدأ وجيه نـــعـــم‪ ،‬ولكن كيف يصح في حقه وهو لم يولد ولم ينشأ على دراية‬
‫تلقائيا بالقانون؟ وكم من قضية تغص بها ردهات المحاكم وتثقل كاهل قضاتها وأعوانهم وتتعطل من جرائها‬
‫مصالح اجتماعية واقتصادية هائلة فقط بسبب جهل أطراف فيها بالقانون الذي لم يسبق لها أن تعلمته طيلة حياتها‬
‫الدراسية‪.‬‬
‫وعالوة على ذلك‪ ،‬كيف ينبغي لمواطن أن يصوت التصويت الرشيد والسليم الداعم للديمقراطية‪ ،‬في‬
‫االنتخابات التشريعية مثال‪ ،‬وهو يجهل معنى التشريع أصال؟ فيُشمت ويَشمت معه بقية الناخبين لما يصوت على‬
‫المرشح االنتهازي مقابل مكسب مادي ما أو وعد ما‪ ،‬أو فقط من باب التعصب لقرابة مثال أو لجهة ما أو غير ذلك مما‬
‫ال عالقة له بالغرض الصحيح من العملية االنتخابية‪ .‬بجهله للقوانين المنظمة للمجالس المنتخبة والمحددة لواجبات‬
‫والختصاصات المنتخبين يكون هذا الناخب‪ ،‬من حيث ال يدري‪ ،‬قد ساهم في الفساد السياسي الذي تجده يشتكي من‬
‫تبعاته هو بنفسه‪ ،‬وفيما يترتب عنه من إضرار بالمسار الديمقراطي المنشود وبالصالح العام‪.‬‬
‫يتعلم المواطن اليوم منذ الصغر وطيلة حياته الدراسية القراءة والكتابة والحساب ومختلف المعارف إال‬
‫الـــقـــانـــون‪ .‬تدريس القانون محدود في كل العالم فقط في كليات الحقوق وفي بعض شعب التعليم العالي التي ال‬
‫تصل إليها إال القلة القليلة من مجموع أفراد المجتمع‪ .‬ومع ذلك تجد تلك البقية العريضة نفسها واقعة تحت طائلة‬
‫مبدأ "ال يُعذر أحد بجهله للقانون"‪ .‬فكيف يستقيم ذلك؟ كيف يستقيم وهو األمر العجيب والغريب والشائع بكل دول‬
‫العالم‪ ،‬وفي مقدمتها الدول العريقة في الديمقراطية؟‬
‫فخشيت أن يكون لمبدأ "ال يُعذر أحد بجهله للقانون" من دون تعميم تدريسه مبرر وجيه وأنا أجهله‪ .‬لكن‬
‫سرعان ما تيقنت بالبحث من أنه أمر ُمستغرب بالشرق والغرب‪ .‬بل عترت بإحدى الجرائد على خبر مفاده أن‬
‫فريقا بمجلس النواب المغربي سبق أن طالب بإدراج تدريس مادة القانون في مقررات سلك الباكالوريا‪ .‬وذلك نظرا‬
‫الرتباطه الوثيق بالتنمية البشرية واالجتماعية وبالنظام العام‪ .‬لكنه‪ ،‬على حد علمي‪ ،‬مطلب يـــتـــيـــم مع األسف‬
‫الشديد‪ .‬وهو المطلب الذي ينبغي‪ ،‬من وجهة نظري‪ ،‬أن يكون في مقدمة مطالب مختلف منظمات حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫ووجدت أيضا المنظمة غير الحكومية الفرنسية ‪ Nouveaux Droits de l'Homme‬تطالب من جهتها على‬
‫موقعها بتدريس القانون بالتعليم األساسي‪ ،‬انطالقا من سلك الثانوي اإلعدادي‪ .‬مطلب يـــتــــيـــم كذلك‪ ،‬على حد علمي‪،‬‬
‫حتى في فرنسا المعروفة والمشهورة بإعالن حقوق اإلنسان والمواطن منذ فجر الثورة سنة ‪1789‬م‪ .‬ووجدت تلك‬
‫المنظمة تدعم مطلبها ذاك بنفس المبررات الوجيهة التي كانت تخالج نفسي‪ .‬فأعفتني بذلك من متاعب ضبطها وبسطها‬
‫بالشكل السليم والمطلوب في هذه الورقة‪ .‬ويطيب لي أن أذ ُكر فيها بعضا منها بقصد تعميم الفائدة‪.‬‬
‫تقول تلك المنظمة أن البلدان األكثر تقدما‪ ،‬مثل البلدان األقل نموا‪ ،‬تعاني من مرض متوطن لم يحظى إال بالقليل‬
‫من الدراسات‪ .‬ويكمن في جــــهـــل معظم المواطنين للقانون‪ .‬وهذا الوضع غير مقبول في الديمقراطيات مبدئيا وال‬
‫سيما العتبارات عملية‪ .‬فالقانون وحده هو الذي يضمن حسن سير المجتمعات‪ .‬ومن المدهش تدريسه فقط في كليات‬
‫الحقوق‪ ،‬كما لو كان من الضروري إبقاء جماهير األفراد العاديين في الجهل‪ ،‬األمر الذي يساهم في إدامة سيادة طبقة‬
‫أرستقراطية من نساء ورجال القانون‪ ،‬كما كان الحال في الماضي بالنسبة للنبالء والكهنوت بالغرب المسيحي‪.‬‬
‫وتضيف المنظمة لتقول إن تعليم الكتابة والرياضيات والفيزياء والكيمياء واللغات األجنبية والتاريخ والجغرافيا‬
‫أثناء الدراسة أمر جيد‪ .‬لكن قواعد تنظيم الدولة والمجتمع وفي مقدمتها القانون المدني‪ ،‬والقانون الجنائي‪ ،‬وقواعد الحياة‬
‫اليومية ليست أقل فائدة من معرفة مختلف المواد المدرسية‪ .‬فما فائدة اكتساب الشباب لكل تلك المعارف إذا لم يتم‬
‫محام في‬
‫تعويدهم على السلوك المدني اليومي وفق القانون السائد‪ ،‬حتى ال يجدون أنفسهم مجبرين على االعتماد على‬
‫ٍ‬
‫تدبير شؤون حياتهم اليومية أو حياتهم المهنية؟ فكي ال يفضوا النزاعات فيما بينهم بالعنف طيلة حياتهم ينبغي أن يكونوا‬
‫جميعهم على علم بكلمة القانون فيها‪ .‬بالتأكيد‪ ،‬هناك التربية المدنية ‪ l’éducation civique‬وتعليم حقوق اإلنسان‪ .‬لكن‬
‫من الواضح‪ ،‬عند التفكير في الواقع المعيش‪ ،‬أن كل ذلك غير كاف‪ .‬فال بد من تدريس القانون لتكوين مواطنين‬
‫صالحين‪ ،‬ونساء ورجال أعمال جيدين‪ ،‬وآباء بارين‪ ،‬وما إلى ذلك‪.‬‬
‫وتقول نفس المنظمة أنه منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى يومنا هذا‪ ،‬تم بناء مجتمع أكثر تطورا وتحضرا وأمنا‬
‫وديمقراطية وبشكل متزايد بفضل اعتماد مبدأ سيادة القانون‪ .‬فتراجعت بصفة عامة الحروب األهلية والخارجية‬
‫وتصفية النزاعات ب العنف‪ .‬ولكن ليس بما فيه الكفاية حتى اليوم‪ .‬وذلك بسبب وجيه ومعقول‪ .‬ألن السلوك السليم وفق‬
‫مقتضى القانون لم يتم غرسه في ذهن الناشئة منذ التعليم األساسي‪ .‬هل نرى محاميين يتشاجران مثل عامة الناس؟‬
‫تتساءل المنظمة‪ .‬وهل نرى أستاذ القانون يشعل النار في حافلة؟ فنادرا ما يحصل مثل ذلك بالمقارنة مع غيرهم‪.‬‬
‫تربيتهم القانونية تثنيهم عن القيام بذلك‪ .‬وسينطبق الشيء نفسه على كل األجيال الشابة التي يمكن أن تندمج بشكل‬
‫أفضل في المجتمع لما تعلم أن أسالفنا استوعبوا أن االحتكام للقانون وحده هو األفضل لكسب أية قضية بدال من‬
‫االقتتال‪ .‬وستكون ثورة حقيقية من أجل مجتمع أفضل‪ ،‬لكن من دون مدينة فاضلة‪.‬‬
‫والمنظمة بسطت واقترحت على موقعها مواد تدريس القانون المناسبة في نظرها لكل مستوى‪ ،‬انطالقا مما‬
‫يعادل عندنا سلك الثانوي اإلعدادي‪ .‬تدريس عام و ُمبسط‪ ،‬ليس كتدريس القانون المفصل والدقيق بكليات الحقوق‪.‬‬
‫تدريس تدريجي للمبادئ العامة للقانون الذي يكسب المتعلم القدرة على التمييز بين أنواع القوانين ومقاصد كل منها‬
‫ويكسبه المفاتيح التي ت ُمكنه من فهم أي نص قانوني لما يبحث عنه ويجده على الشبكة‪ .‬ففي عصر االنترنيت المادة‬
‫القانونية متوفرة بالمجان بكل تفاصيلها ومحينة‪ .‬لكن من العسير فهمها و استيعابها بالنسبة لمن يجهل المبادئ التي تحكم‬
‫القوانين‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬ينبغي في نظري تخصيص مستوى من مستويات التعليم الثانوي بشقيه لتدريس مدونة األسرة وآخر‬
‫للقانون الجنائي وثالث للقانون العام المنظم لمختلف المجالس المنتخبة محليا وجهوية ووطنيا حتى تتم العملية‬
‫الديمقراطية عن وعي تام بآلياتها من طرف الناخبين والمنتخبين‪ .‬وعليه فمطلب الفريق البرلماني المذكور أعاله يبقى‬
‫مطلبا وجيها ومعقوال يستحق االهتمام به وال سيما من طرف منظمات حقوق اإلنسان ومختلف األحزاب من أجل‬
‫المزيد من االزدهار االجتماعي واالقتصادي واألمني‪ .‬مطلب ال ت ُـــــغـــــنــــــي عنه مواد التربية الوطنية على‬
‫أهميتها‪.‬‬
‫وأعتقد أن األطر التربوية الحالية‪ ،‬كأساتذة االجتماعيات والتربية اإلسالمية‪ ،‬قادرة على القيام بتلك المهمة من‬
‫بعد تكوين جيد ومع توفر مقررات محبوكة اإلعداد‪ .‬وإذا كان ال بد من أطر مختصة في القانون للقيام بها في مراحل‬
‫متقدمة من التعليم الثانوي‪ ،‬فمباراة ولوج سلك المحاماة األخيرة تدل على أن سوق الشغل يعرف عرضا وافرا من بين‬
‫الموجزين في الحقوق والعاطلين عن العمل وال ينتظرون سوى فرصا للتشغيل‪ .‬ونعم االشتغال بتربية النشء الصاعد‬
‫على العيش الكريم والسليم في مجتمع يسوده القانون‪.‬‬
Téléchargement