الجديد بخصوص أصل إسم مدينة سطات المصطفى حميمو فغالبا ما ينتاب المرء فضول معرفة أصل إسم عائلته أو مدينته ،وال سيما حين يتسم بالغرابة أو ال يكون له مدلول معروف في اللغة المتداولة .ويرتاح ويستمتع بمعرفته بقدر ما يحلو ل ه التعريف به متى ما وجد الفرصة وأحيانا حتى من دون مناسبة .وذلك هو شأن "سطات" إسم المدينة المغربية المشهورة بكونها عاصمة الشاوية. ّ "زطاط" .فكان وما تزال المدينة معروفة عند الكثير من غير ومن المتداول بين أهلها أن أصل الكلمة هو ّ "زطاط" بدال من سطات والسْطاتي يطلق عليه ْ "الزطاطي" .وهو األمر الذي غالبا ما يستغرب منه ساكنتها بإسم السطاتيون. والز ّ ّ عرف ب ه الرحالة الفرنسي شارل دو فوكو في كتابه استكشاف المغرب طاط ،كما عايَنه و ّ Reconnaissance au Marocهو ذلك الشخص القوي والنافذ الذي كان أيام ،ما عرف ببالد السيبة ،يؤ ّمن حماية المسافرين والقوافل من مخاطر قطاع الطرق ،مقابل دفع أتاوة .وقد يكون الزطاط واحدا منهم فال يتعرضون له .وقد ألف األستاذ عبد األحد السبتي في موضوع الزطاطة كتابا تحت عنوان " بين الزطاط وقاطع الطريق أمن الطرق في مغرب ما قبل االستعمار" .وبالمناسبة فوصف "بالد السيبة" في مقابل بالد المخزن قديم ،بحيث نجده في عنوان كتاب "مواهب ذي الجالل في نوازل البالد السائبة والجبال" لمؤلفه محمد بن عبد هللا الكيكي مفتي دمنات المتوفى سنة 1185هـ موافق 1771م .فذلك الوصف ليس إذا من افتراءات الرحالة الفرنسي فوكو أو غيره كما قد يشاع. والجديد بخصوص أصل كلمة "سطات" الذي يهمنا ،هو ما استوقفني في كتاب المستكشف األلماني أوسكار النز Oskar Lenzالمترجم من لغته األلمانية إلى الفرنسية والمنشور تحت عنوان Timbouctou : voyage au Maroc, au Sahara et au Soudanأو "تمبكتو :رحلة إلى المغرب والصحراء والسودان" .فمن يكون هذا المستكشف ؟ وما هو الجديد في كتابه بخصوص أصل كلمة سطات ؟ أوسكار النز (1848ـ )1925هو عالم جيولوجي ومستكشف ألماني نمساوي .حصل في عام 1870على الدكتوراه في علم المعادن والجيولوجيا من جامعة اليبزيڭ .وبعد ثالث سنوات حصل على الجنسية النمساوية والتحق بالمعهد اإلمبراطوري للجيولوجيا في ﭬيينا .قام بأول رحلة استكشافية عبر الصحراء ،من المغرب إلى السنغال بين عامي 1879و.1880 وذلك أساسا بهدف الدراسة الجيولوجية للمنطقة والبحث عن رواسب خام الحديد. و كان في هذه المناسبة هو رابع أوروبي يزور مدينة تمبكتو حيث لقي ترحيبا حارا، على الرغم من الغارات الفرنسية في النيجر انطالقا من السنغال والجزائر .وبدأ رحلته بالمرور من الم غرب .وعند عودته إلى أوروبا عام ،1887شغل منصب رئيس قسم الجغرافيا في جامعة تشارلز في مدينة براﮔ ،وألف كتابه المذكور أعاله. صورة الرحالة أوسكار النز قبل ذلك وخالل خريف عام ،1879يقول النز ،أنه تلقى من الجمعية األفريقية األلمانيا مهمة القيام برحلة إلى المغرب للمساهمة قدر اإلمكان في المعرفة المعمقة لسلسلة جبال األطلس .لكنه كان مصمما على منح مهمته امتدادًا أكبر .ولما صار بإمكانه القيام برحلة عبر الصحراء نحو تمبكتو تلقى من الجمعية بسخاء كبير منحة تكميلية .وبفضل تدخالت الهيئة الدبلوماسية األلمانية بالمغرب حصل على رسالة من السلطان موالي الحسن ،تحث كل رجال المخزن بالبالد التي يمر منها ،بحمايته وتوفير كل ما يحتاجه من مساعدات مادية وغيرها ،وتحملهم مسؤولية تعرضه ألي سوء أو خصاص .وهذه صورة للرسالة السل طانية مع ترجمتها إلى الفرنسية كما وردت في ترجمة كتابه إلى اللغة الفرنسية. وهذا هو نص الرسالة تقريبا بحروف واضحة ،الذي استطعت قراءته من خالل نص ترجمته إلى اللغة الفرنسية أعاله عالوة على رسائل سلطانية وجدتها على الشبكة. الحمد هلل نأمر الواقف عليه من عمالنا ووالة أمرنا المعتز باهلل ،أن يوجه مع ماسكه الحكيم األلماني من فيهم الكفاية من أهل الخبرة والجد من إخوانه ،ويقفون معه ويحرسونه حتى يطوف ببالده ويجول فيها ،ويأخذ من نبتاتها ما يصلح له ،وأن يستوصي به خيرا وال يقصر في االعتناء بشأنه والبر به خالل تجواله بأرضه، ويكون على بال من حراسته ليال ونهارا ،وال يتركه يصل لمحل المخاطرة ويـبـيـنها له ويمنعه من الوصول إليها ،ويوجه معه من يوصله لعامل القبيلة المجاورة له التي يريد التوجه إليها .والسالم في متم ذي الحجة عام 1296 (موافق 13دجنبر 1879م) والجزء األول من كتابه يتعلق بوصف رحلته عبر المغرب .فيه دراسة لألوضاع الحكومية والسياسية واالجتماعية بهذا البلد ،والتي من المحتمل أن يجد فيها القارئ ،كما بقول ،الكثير من المعطيات الجديدة .وأضاف أنه ما كان باإلمكان تحديد مساره إال عن طريق البوصلة .كما استخدم البارومتر لقياس االرتفاعات .شكوك الساكنة بلغت معه ،كما يقول ،حدا كبيرا. فغالبًا ما كان ي دون مذكرات السفر فقط في الليل لما يكون الجميع نائمين. انطلق في رحلته االستكشافية بالمغرب من طنجة متوجها إلى مراكش عبر تطوان وشفشاون والقصر الكبير وفاس ومكناس والرباط وفضالة أو المحمدية اليوم .ثم استكمل رحلته بالسير جنوبا من دون المرور من مدينة الدار البيضاء .ويقول وصلنا إلى "مدينة القايد زطاط الصغيرة" التي تنتمي إلى قبيلة الشاوية. وهذا هو بيت القصيد .فهذه المدينة بقبيلة الشاوية صارت إذا تحمل لقب القايْد الذي كان يحكمها وهو لقب "زطاط" .ربما كان الرجل زطاطا ً وعرف بهذا الوصف من قبل أن يتم تعيينه حاكما لهذه المدينة التي كانت بالفعل صغيرة وال تتعدى حدودها أسوار القصبة اإلسماعلية البارزة حتى اليوم من وارء ضريح سيدي الغليمي ،وكما هي مبينة في الصورة قبالته .ومنها يقول النز أنه انطلق جنوبا نحو مراكش عبر قرية سماها "قصبة مسكين" ،والتي من المرجح أن تكون منطقة "ابني مسكين" حيث توجد مدينة صورة قديمة ومن بعيد ألسوار قصبة مدينة سطات من قبل احتاللها البروج. عرفها وعرفها ووصف النز هذه المدينة الصغيرة والتي َ باسم مدينة القايد زطاط بقوله أن الكل فيها يترك انطباعًا ممتعا ،من منازل كبيرة وجميلة وحدائق فاتنة وساحة كبيرة محاطة بأسوار من أجل نزول القوافل وقا ْيد ودود استقبله استقباال جيدًا .وكل هذا جعل من هذا المكان ،كما يقول ،مخيما لطيفًا .وفي صباح اليوم التالي ،قام هو بزيارة بساتين البرتقال الرائعة والتي كانت في ملكية القايْد كما قيل له .ومن المعروف عند قدماء ساكنة سطات أن المنطقة التي تنطلق شماال باتجاه الدار البيضاء من حيث بنيت ثانوية موالي إسماعيل ،كانت كلها بساتين ،وكانت معروفة بـ "ل ْعراسي" .وكانت تمر بمحاداة شرق "انزالت البطوار" بمعنى حي المجزرة. وهذه صورة لمدخل نفس القصبة في مطلع احتالل الشاوية سنة 1907 ومن الطرائف التي حكاها النز قوله أن القا ْيد زطاط وقف معه لفترة طويلة وهو يطلب منه من باب الفضول األخبار عن أوروبا .ثم أخبره بطريقة غامضة أن شحنات كبيرة من البارود تم إرسالها من مراكش إلى تطوان وعبرت من مدينته. وأخبره أيضا ،وبطبيعة الحال تحت ختم السرية ،أن السلطان أعلن الحرب ،لكن لم يكن يعرف على من ،إسبانيا أم فرنسا؟ ومن الواضح ،يقول النز ،أن كل تلك القصص كانت مجرد شائعات .فربما أثارت إحدى الدولتين بعض المشاكل الحدودية كما كان يحدث غالبًا .وتشتم فيما يرويه النز هنا رائحة االستخفاف بذلك القايْد المسكين الذي كان من واجبه عدم البوح بمثل تلك األسرار ألجنبي. ومما أثار إعجابه في تلك البساتين هو مشهد اآلالف من األشجار ولون ثمارها العطرية المذهب والبارز من خالل نظرا لعدم وجود طريقة لتصدير الفائض من هذه الفاكهة ،كما يقول ،فإن كمية كبيرة منها يكون األخضر الداكن لألوراق .و ً مصيرها التلف .ولم يفهم سبب عدم استخالص الزيت الموجود في قشرتها .فبدا له أن المغاربة ال يشكون في أن لها قيمة معتبرة.