ل ّما يتزايد ثراء األغنياء بتزايد أعداد الفقراء المصطفى حميمو قالت امرأة ألختها ،وهي تشتكي من غالء األسعار هذه األيام ،نحن ال نأكل حتى يشبع الصغار ،فنصبر على تحمل ألم الجوع وال نتحمل سماع صراخهم من وجعه .فردت األخرى بقولها أنها لم تعد تصطحب معها ابنتها الصغيرة إلى السوق منذ أن صاحت في وجهها أمام الخضار والزبناء ،تطلب منها شراء البطاطس ،وهي عاجزة عن اقتناء ما يكفي منها لكل أفراد األسرة .وكالهما فقيرتان ،ومع ذلك قد أنجبت كل منهما خمسة أطفال وإحداهما حامل .فهما ،مثل عموم األمهات الفقيرات في كل العالم ،ال تشعرا ن أنهما وأطفالهما من ضحايا غريزة اإلفراط في اإلنجاب ،وكأن ذلك قدر مقدور ال مناص لهن منه. ظهر مؤخرا بإحدى وسائل التواصل االجتماعي ﭬيديو يعرض تفشي ظاهرة دعارة الفتيات القاصرات في واضح النهار بإحدى دول جنوب شرق آسيا الفقيرة .فعلق عليه أحد المشاهدين بقوله وبحق ،أنهن من ضحايا نفس غريزة اإلفراط في اإلنجاب عند النساء الفقيرات .قال أنهن كن مشاريع تلك الدعارة منذ نشأتهن أجنة في أرحام أمهاتهن. وفي كتابه مقال عن أعراف األمم وروحها قال الفيلسوف الفرنسي ﭬولتير وبحق ،إن أعراف األمة تكمن دائ ًما في العدد القليل الذي يُش ّغل العدد الكبير ،ويتغذى من عمله ،ويحكمه .ويُستنتج من قوله الصائب هذا أن ثراء العدد القليل في كل أمة يزداد بمقدار تزايد العدد الكبير فيها. والفقراء اليوم صاروا مثل العبيد قديما يُنتجون ثروة األغنياء .بل بتكاثرهم صاروا عبيدا بالمجان .عبيد من دون تكاليف الشراء وال تكاليف العناية بهم ل ّما يُشغلون في إنتاج الثروات بأبخس األجور .أجور بالكاد تبقيهم أحياء. ولما يمرض أو يموت احدهم يُوجد من يخلفه بالعشرات من العاطلين عن العمل .وهذا هو ما يفسر تزامن تواجد الفقر المدقع مع الغنى الفاحش في معظم الدول التي تعرف إفراط النساء الفقيرات في اإلنجاب. ومن بين ضحايا نفس الغريزة أعداد الذين يركبون موجات الهجرة غير الشرعية نحو بلدان الشمال الغنية انطالقا من مجتمعات الجنوب الفقيرة بإفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية .قديما كان يُجلبون من إفريقيا إلى األمريكيتين كعبيد لسد الخصاص من اليد العاملة في األشغال الشاقة .واليوم يأتونها بأقدامهم كمهاجرين سريين وبأعداد ال تنضب لسد نفس الخصاص .وبعض النساء من بينهم يصطحبن معهن عددا مهوال من أطفالهن .بل من بينهن من يحملن وينجب وهن في الطريق .فال يتوقفن عن الحمل واإلنجاب حتى وهن في جحيم الهجرة السرية .بطون تدفع ورمال الصحراء ومياه البحر تبلع. وغالبية من يصلون منهم إلى مقصدهم بالشمال الغني يجدون أنفسهم قد كانوا يلهتون من وراء السراب لما يجدون الفقر فيه أش ّد ألما من الفقر في بلدانهم .بفرنسا مثال ،وبموقع France bleuتجد أن الجمعية الخيرية Restos du Cœurقد وزعت خالل حملة 142 ،2022/2021مليون وجبة غذائية .وذلك في مقابل توزيع 8.5 مليون وجبة فقط عندما تم إطالق خدماتها سنة .1985وقد دعمت خالل هذا الموسم 1.1مليون شخص محتاج. أكثر من نصف عددهم تقل أعمارهم عن 25عا ًما ،ومن بينهم 110.000رضيع .وقد كان من بينهم حتى أشخاص من الشغيلة الذين لم تعد أجورهم تكفي لسد حاجياتهم الضرورية .فصاروا يستفيدون من خدمات الجمعية على غير عادتها يومي السبت واألحد .ووفقًا لنفس الجمعية ،إذا ما استمرت األمور على نفس المنوال التصاعدي ،فإنها تتوقع توزيع ما بين 150و 170مليون وجبة خالل هذه السنة .وهكذا بسبب الهجرة غير الشرعية أصبحت مثالب غريزة اإلفراط في اإلنجاب عابرة للقارات لما تفاقم الوضع المزري حتى في الدول الغنية التي تقصدها .وال تتأذى منها فقط دول شمال البحر المتوسط بل حتى دول جنوبه التي ال تزال تعاني هي بنفسها من نفس المشكل في أحيائها الهشة. ومختلف أنواع نسب الخصوبة المنشورة تبقى غير دقيقة لما ال تأخذ بعين االعتبار حجم حصيلة غريزة اإلفراط في اإلنجاب عند النساء الفقيرات .فال يوجد من بينها معدل عدد األطفال عند عموم األمهات الالئي أنجبن فعال طيلة حياتهن حتى سن اليأس .بل تحتسب كل النساء في سن اإلنجاب ما بين 15و 45سنة سواء أنجبن أو لم ينجبن .ونسوق هنا كمثال بسيط على ذلك ،أ ّم أنجبت عشرة أطفال طيلة حياتها من بين أربع أخريات لم ينجبن طيلة حياتهن .بحساب معدل الخصوبة المعتمد يعطي طفلين لكل منهن .فال يظهر حجم اإلفراط في اإلنجاب عند تلك األم التي أنجبت لوحدها عشرة أطفال .في حين نسبة طفلين لكل امرأة فعليّا طيلة حياة كل منهن يعتبر نسبة صحية من أجل الحفاظ على النمو الديمغرافي المطلوب ضد شيخوخة المجتمع وتداعياته. والسياسات الرشيدة في هذا الصدد تقتضي أمرين .تقتضي المزيد أوال من التوعية والتحسيس بأهمية التخطيط العائلي وتوفير وسائله في أوساط النساء الفقيرة .وذلك للحد من مثالب اإلفراط في اإلنجاب .وينبغي في مقابل ذلك اتخاذ ما يكفي من اإلجراءات التي من شأنها تربية وتعليم وتكوين الناشئة بالشكل الجيد والمطلوب والعناية بصحتها، مع توفير مختلف مقومات الزواج واإلنجاب في صفوف الشباب المندمج في الحياة العملية .وذلك للحفاظ على الهرم الديموغرافي المتوازن الذي يحول دون مثالب شيخوخة المجتمع .وبما أن مثالب اإلفراط في اإلنجاب صارت عابرة للحدود فال بد من المساهمة القوية والفعالة في مختلف البرامج األممية التي من شأنها الحد منه بكل الدول الفقيرة وال سيما بإفريقيا.