Telechargé par Mustapha HMIMOU المصطفى حميمو

المصطفى حميمو : الفرنسي رونيه كايي وحماسه الاستخباراتي بإفريقيا

publicité
‫الفرنسي رونيه كايي‬
‫وحماسه االستخبراتي بإفريقيا‬
‫المصطفى حميمو‬
‫رنيه كايي ‪ ،)1838-1800( René Caillié‬مستكشف فرنسي‪ ،‬كان هو أول أوروبي يعود حيّا من زيارة بلدة‬
‫تمبكتو في دولة مالي الحالية‪ .‬فحصل على جائزة الجمعية الجغرافية الفرنسية كما تقلّد وسام جوقة الشرف ومعاشا‬
‫طيلة ما تبقى من حياته‪ .‬ونشر قصة رحلته عام ‪ 1830‬تحت عنوان‪" :‬يوميات رحلة إلى تمبكتو وجيني في وسط‬
‫إفريقيا " ‪ .Journal d’un voyage à Tombouctou et a Jenné dans l’Afrique centrale‬فنال به شهرة‬
‫منقطعة النظير‪ .‬لكن اإلنجليز طعنوا في صحة كتاباته وحتى في صحة وصوله إلى تمبوكتو‪ .‬األمر الذي آلمه أكثر مما‬
‫آلمته مشاق مغامرته‪ .‬إال أن من وصولوا من بعده إلى نفس البلدة أكدوا صحة أقواله‪ ،‬لما كان على قيد الحياة‪ .‬وتوفي‬
‫سنة ‪ 1838‬بمرض السُ ّل الذي أصيب به في أفريقيا‪.‬‬
‫لوحة زيتية لروني كايي‬
‫وك ان مروره من المغرب مجرد مرحلة ثانوية في طريق عودته من رحلته‪ .‬فلم يتوقف في كتابه عند وصف ما‬
‫شاهده بشيء من التفصيل سوى في ثالث مدن‪ ،‬وهي تافياللت وصفرو وفاس‪ .‬فاخترتها وترجمتها وأدرجتها في‬
‫كتابي " صفحات من تاريخ المغرب عن شهود عيان أجانب" حتى يطلع القارئ على بعض من أحوال تلك المدن سنة‬
‫‪ .1828‬ونترك هنا كايي يحكي لنا بنفسه عن حماسه التجسسي في رحلته‪.‬‬
‫فقال‪" :‬كان هدفي الرئيس من هذه الرحلة هو أن أجمع بعناية ودقة كل الحقائق التي تقع أمام عيني مهما كانت‬
‫طبيعتها‪ ،‬وأن أكرس اهتمامي بشكل خاص لكل ما يبدو لي أنه مهم لتقدم علم الجغرافيا ولتطوير وتنمية تجارة بلدنا‬
‫في إفريقيا‪ .‬لقد علمتني اإلقامة المطولة في مؤسساتنا ومستعمراتنا في السنغال عالوة على تجربتي الخاصة كم ظلت‬
‫تجارتنا را كدة لفترة طويلة وكم كانت بحاجة إلى منافذ وعالقات جديدة في داخل القارة اإلفريقية‪ .‬ومن أجل إقامة هذه‬
‫العالقات الجديدة وفرض منتجات صناعتنا على الشعوب البعيدة كانت هناك حاجة إلى اكتشافات جديدة ومعرفة‬
‫جغرافية حديثة ال غنى عنها تما ًما الستثمار الجهود التي تبذلها حكومتنا والتشجيع الذي من شأنه أن ينعش تجارتنا‬
‫على هذا الساحل‪.‬‬
‫إن اإلحساس الشديد بهذه الضرورة وبهذه الحاجة الملحة التي تضغط على تجارتنا في إفريقيا كان بطريقة ما‬
‫هو الروح التي توجه مالحظاتي وقراراتي خاصة في جزء معين من رحلتي‪ .‬كنت مقتن ًعا بتأثيرها القوي عاجالً أم‬
‫آجالً على مصير مستعمراتنا وعالقاتنا التجارية‪ .‬يتعلق األمر بمعلومات واضحة وإيجابية مستمدة من المصدر بعينه‬
‫ومودعة في أيدي حكومة الملك الحامي المستنير المتحمس لخدمة المصالح المهمة‪ ،‬وبخاصة اليوم وبشكل وثيق‪،‬‬
‫الزدهار المملكة وربما لسالمها الداخلي‪.‬‬
‫لكن لم أعد من المناطق التي سافرت إليها سوى بمالحظات مقتضبة للغاية‪ .‬مالحظات مدونة في الغالب بيد‬
‫ترجف ورجل تركض‪ ،‬أل نه كان من الممكن أن تتحول إلى أدلة ال هوادة فيها ضدي في حال ما لو تم اإلمساك بي وأنا‬
‫أخط بيدي حروفا أجنبية من أجل أن أكشف للرجل األبيض أسرار وألغاز هذه البلدان‪ .‬في إفريقيا‪ ،‬تنكر األجنبي في‬
‫هيئة مسلم يعد من أكبر اإلهانات التي تستوجب سفك الدم‪ .‬ولربما من األفضل بمئات المرات أن يظهر المسيحي هناك‬
‫على حقيقته بدال من أن يتخفى في مظهر مسلم مزيف‪ .‬لذلك إذا كان لتنكري ذاك مزاياه‪ ،‬بالنظر إلى ما يبرره مبدئيا‬
‫ي‬
‫وإلى نجاحه في المحصلة‪ ،‬فقد كانت له أي ً‬
‫ضا مخاطره المروعة‪ .‬كنت أحمل دائ ًما في حقيبتي صك الحكم عل ّ‬
‫باإلعدام‪ .‬وكم من مرة تركت هذه الحقيبة في أيدي العدو‪ .‬ولما وصلت إلى باريس‪ ،‬وجدت تلك المالحظات المكتوبة‬
‫غالبًا بقلم الرصاص متعبة جدًا وقد ُمحيت بمرور الزمن لدرجة أن استرجاعها تطلب مني كل المثابرة واإلخالص‬
‫الدقيق الستعادتها من ذاكرتي وإعادة إنتاجها كأساس لمالحظاتي ومواد اكتشافاتي"‪.‬‬
‫ولد كيي في غرب فرنسا وهو ابن عامل في مخبزة‪ .‬في سنة والدته اتُّهم والده بالسرقة و ُحكم عليه بالسجن‬
‫وتوفي فيه سنة ‪ .1808‬وتوفيت أمه سنة ‪ . 1811‬فأصبح يتيما وتبناه أحد أقاربه‪ .‬قراءته رواية روبنسون دو كروزو‬
‫أوقدت في نفسه حب السفر والمغامرة‪ .‬وفي سن السادسة عشرة قطع مسافة أرعين كيلومترا سيرا على األقدام إلى‬
‫ميناء روشفور‪ ،‬ومنه سافر على متن سفينة إلى السنغال‪ .‬من هناك رحل إلى ڭواديلوب وقرأ كتابا عن استكشاف‬
‫النيجر األوسط‪.‬‬
‫ثم عاد إلى بوردو في فرنسا ومنها إلى السنغال مرة أخرى سنة ‪ 1818‬حيث أصيب بالمرض وال ُح ّمى‬
‫وا ُضطر إلى العودة إلى فرنسا حيث صار يفكر في الوصول إلى بلدة تمبكتو بمالي الحالية‪ .‬فكر في ذلك لما سمع بأن‬
‫الجمعية الجغرافية في باريس توعد بمكافأة قدرها عشرة أالف فرنك ألول أوروبي يصل إليها ويرجع منها حيا‪.‬‬
‫وكان يعتقد أنها بلدة أسطورية وغنية وعجيبة بحسب روايات العرب مثل ابن بطوطة‪ .‬وكان يحرم على المسيحيين‬
‫دخولها‪ ،‬فما عاد منها حيا‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬كل من خاض منهم تلك المغامرة‪ .‬بل كان يموت أو يُقتل قبل الوصول إليها أو‬
‫فيها أو أثناء العودة منها‪.‬‬
‫فقرر كايي خوض المغامرة انطالقا من السينغال متنكرا في هيئة مسلم‪ ،‬زاعما أن أصله من اإلسكندرية قد تم‬
‫اختطافه من طرف الفرنسيين أثناء حملة نابلويون على مصرلما كان عمره سنة واحدة‪ .‬فنشأ في فرنسا لكن من دون‬
‫أن ينسى دينه ولغته‪ .‬ولما كبر عزم على العودة إلى بالده انطالقا من السينغال‪ .‬وكما فعل من سبقوه تعلم ما استطاع‬
‫من اللغة العربية ومبادئ ا إلسالم بموريتانيا‪ ،‬وحفظ عن ظهر قلب قصار السور من القرآن‪ .‬كل ذلك حتى ال يُقتل طيلة‬
‫الرحلة‪.‬‬
‫و في أبريل من ‪ 1827‬انضم إلى قافلة في رحلة شاقة صوب بلدة تمبكتو التي وصلها بعد سنة في أبريل من‬
‫عام ‪ .1828‬استقر فيها مدة أسبوعين‪ .‬لكنه شعر بخيبة أمل لما وجدها مدينة شبه منهارة‪ .‬ثم انضم إلى قافلة أخرى‬
‫تعبر الصحراء إلى المغرب‪ ،‬وبلغت مدينة فاس في ‪ 12‬أغسطس من نفس السنة‪ .‬ومنها سار في رحلة شاقة مرة‬
‫أخرى إلى مكناس ثم الرباط ثم العرائش حتى وصل إلى طنجة من حيث تم تهريبه خلسة إلى فرنسا على متن سفينة‬
‫فرنسية‪.‬‬
Téléchargement