Telechargé par Mustapha HMIMOU المصطفى حميمو

المصطفى حميمو : من دروس الوعظ الهادف والمفيد

publicité
‫من دروس الوعظ الهادف والمفيد‬
‫المصطفى حميمو‬
‫باألمس‪ ،‬وفي انتظار صالة العشاء ثم التراويح سررت واستبشرت لما سمعت على غير العادة الجديد في‬
‫الوعظ الهادف والمفيد‪ .‬لعل الواعظ بتجربته في الحياة من حوله الحظ التناقض القائم عند بعض المسلمين بين التشدد‬
‫في إتيان العبادات والتراخي بل حتى التسيب في انتهاك حرمات العباد‪ .‬وأتى بعدة روايات من شأن تلقيها بالمطلق أن‬
‫تشجع على التمادي في الممارسات المتناقضة مع مقاصد الشريعة الكامنة في حفظ حرمة كل من النفس والدين‬
‫والعرض والمال‪ ،‬أي في حفظ حرمات العباد‪ .‬وذلك من مثل التسبيح كذا مرات في الصباح وأخرى في المساء فتمحى‬
‫جميع الذنوب‪ .‬وهنا تختلط على السامع الذنوب بالسيئات ويحلو له ذلك فال يبالي بظلم العباد‪.‬‬
‫وسمعت في هذا الصدد من فقيه في إحدى البرامج الدينية أن الذنوب التي يغفرها هللا جميعا إن شاء‬
‫لـــــيــــســــت هي السيئات المكتسبة بظلم العباد‪ .‬فاهلل ال يساء وال يحسن إليه‪ ،‬تعالى سبحانه عن ذلك علوا كبيرا‪.‬‬
‫بخالف العباد فهم من يحسن إليهم ويساء‪ . .‬وجاء الشيخ بمثال للذنب من حياتنا اليومية‪ ،‬وذلك لما يرتكب السائق مخالفة‬
‫لقانون السير من دون التسبب في حادثة‪ .‬يكون حينها قد ارتكب ذنــــــبــــــا قد يعفو عنه الشرطي إن شاء ألنه لم يترتب‬
‫عنه سوء للغير‪ .‬أما المخالفة لقانون السير التي تترتب عنها حادثة فيها خسائر للغير‪ ،‬مادية كانت أو جسدية‪ ،‬فال يحق‬
‫للشرطي التغاضي عنها بالنظر لما فيها من ظلم للمتضرر‪ .‬فال بد له من اتباع المساطر القانونية التي تكفل له الحصول‬
‫على التعويضات الالزمة على حساب السائق المذنب بمخالفته لقانون السير والمسيء في نفس الوقت لغيره‪ .‬وهلل المثل‬
‫األعلى‪.‬‬
‫وبالمناسة ذكر الشيخ بفحوى حديث المفلس الذي يوضح بجالء تام معنى السيئات في حق العباد التي ال تمحى‬
‫سوى برد الحقوق ألصحابها في الدنيا وبالتعويض عن األضرار التي تسببت فيها‪ .‬فوفق هذا الحديث العبادات‬
‫المفروضة من صالة وصوم وزكاة ال تمحو السيئات‪ ،‬فما بالك باألذكار مهما تعددت يوميا‪ .‬تأمل ذلك في نص الحديث‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪« :‬أتدرون من المفلس؟» قالوا‪ :‬المفلس فينا من ال‬
‫ف‬
‫د ِْره ََم له وال متاع‪ ،‬فقال‪« :‬إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصالة وصيام وزكاة‪ ،‬ويأتي وقد شتم هذا‪َ ،‬وقَذَ َ‬
‫سفَكَ دم هذا‪ ،‬وضرب هذا‪ ،‬فيعطى هذا من حسناته‪ ،‬وهذا من حسناته‪ ،‬فإن فنيت حسناته قبل أن‬
‫هذا‪ ،‬وأكل مال هذا‪ ،‬و َ‬
‫يقضى ما عليه‪ ،‬أخذ من خطاياهم فط ِر َح ْ‬
‫ت عليه‪ ،‬ثم طرح في النار"‪.‬‬
‫معنى ذلك أن القيام بالشعائر المفروضة ليست مقصودة لذاتها‪ ،‬يؤكد الشيخ‪ .‬وجاء في ذلك قوله تعالى " َوأ َ ِق ِم‬
‫َاء َو ْالمن َك ِر َولَ ِذ ْكر َّ‬
‫ّللاِ أ َ ْكبَر"‪ .‬والفحشاء والمنكر والبغي هي كل األقوال واألفعال التي‬
‫ع ِن ْالفَحْ ش ِ‬
‫ص َالة َ ِإ َّن ال َّ‬
‫ال َّ‬
‫ص َالة َ ت َ ْن َهى َ‬
‫تسيئ للعباد‪ .‬فالشعائر من صالة وصوم وزكاة مفروضة وفق حديث المفلس لخدمة مــــــقـــــــــاصــــــــد الشريعة‬
‫حتى يقوم الناس بالقسط‪ .‬قيام الناس بالقسط الذي هو غاية الغايات من إرسال الرسل وإنزال الكتب لقوله تعالى " لَقَ ْد‬
‫ْط"‪ .‬فهذا ما يفرضه على كل مسلم تدبر القرآن‬
‫س ْلنَا رسلَنَا ِب ْالبَيِنَا ِ‬
‫وم النَّاس ِب ْال ِقس ِ‬
‫ت َوأَنزَ ْلنَا َم َعهم ْال ِكت َ‬
‫أ َ ْر َ‬
‫َاب َو ْال ِميزَ انَ ِليَق َ‬
‫علَى قلوب أَ ْقفَال َها"‪ .‬ووفق فهم‬
‫الكريم وليس مجرد التبرك بتالوته وتجويده‪ ،‬لقوله تعالى " أَفَ َال يَتَدَبَّرونَ ْالق ْرآنَ أ َ ْم َ‬
‫الشيخ‪ ،‬مقاصد الشريعة هي أيضا مقاصد الشعائر التعبدية‪ .‬المقصود بأداء كل منها هو حفظ حرمة كل من النفس والدين‬
‫والعرض والمال‪ .‬وهو ال يتفق مع وصف عالم ما بالمقاصدي‪ ،‬بمعنى المتخصص في مقاصد الشريعة‪ .‬بل من‬
‫المفروض أن يكون كل مؤمن مقاصديا‪.‬‬
‫‪ .‬وشرح ذلك بقوله أنه بأداء الصالة يتذكر المصلي خمس مرات في اليوم حديث المفلس قيتعظ وال يظلم‬
‫الناس‪ .‬ويصوم على الحالل طيلة شهر رمضان حتى يروض النفس على الصوم على ظلم العباد طيلة ما تبقى من السنة‬
‫‪1‬‬
‫ويتقي بذلك عاقبة اإلفالس يوم العرض‪ .‬ويؤدي ما عليه من زكاة لمستحقيها وهم ال يعرفونه‪ ،‬حتى يروض النفس على‬
‫رد ما في ذمته من ديون في وقتها ألصحابها وهم يعرفونه‪ ،‬فال يظلمهم وال يضطرهم للجري من ورائه في طلبها‪،‬‬
‫وذلك خوفا من اإلفالس يوم العرض‪ .‬هذا عالوة على ما في إخراج الزكاة من واجب اإلحسان إلى الفقراء‪ .‬ويحج إن‬
‫استطاع‪ ،‬ويوم الوقوف بعرفة يتذكر يوم الحشر الذي ال رجعة منه‪ .‬ولما يــــعــــود منه يكون كمن استلقى في قبره حيا‬
‫ثم خرج منه‪ ،‬وهو يقول لنفسه اتقي هللا في عباده قبل أن يأتي اليوم الذي ال مخرج فيه من القبر‪. .‬‬
‫ونصح بشرح مقاصد أداء الشعائر األربع على هذا المنوال فـــــــــي خـــــطــــب الجمعة على األقــــــــل مرة‬
‫في الشهر‪ .‬وذلك حتى ال يشمت المصلون في أدائها ويحسبون أنها مكفرة عن ظلمهم للعباد‪ .‬وهكذا ال يكونون من‬
‫المفلسين الذين يطرحون في النار يوم العرض مــــــــــــــــع صالتهم وصومهم وزكاتهم كما هو موضح في حديث‬
‫المفلس أعاله‪.‬‬
‫وسئل الشيخ عن إغفال التذكير بهذا الحديث‪ ،‬فقال أنه قل من ال يعرفه ولكن قل من يتوقف عنده حتى يتدبر‬
‫مغزاه فيتعظ ويتقي هللا في حرمات العباد‪ .‬وأضاف أنه قد يصعب تقبل مغزاه على من تعود طيلة حياته على الجمع بين‬
‫أداء تلك الشعائر مع التشدد في تفاصيلها من جهة وبين ظلمه للعباد من جهة ثانية‪ ،‬ظنا منه أن تلك تمحو ذاك‪ .‬فال‬
‫غرابة في أن يزعجه مغزى ذلك الحديث وأن يطعن في من يتبناه‪ ،‬محتجا بما يطيب له من المرويات والتفاسير‬
‫المتناقضة فقط في ظاهرها معه‪ .‬ومع األسف الشديد ال أذكر البرنامج وال حتى اسم الشيخ الفاضل‪ .‬لكن ما أن انتهت‬
‫الحلقة حتى قمت ودونت ما تذكرته مما سمعت منه‪ .‬ويطيب لي مقاسمته مع المؤمنين في هذه العشر األواخر من هذا‬
‫الشهر الفضيل‪ .‬وتقبل هللا منا جميعا الصيام والقيام‪.‬‬
‫‪2‬‬
Téléchargement