Telechargé par Mustapha HMIMOU المصطفى حميمو

المصطفى حميمو : آفة النزعة التمجيدية في تدريس تاريخ الأمة الإسلامية

publicité
‫آفة النزعة التمجيدية‬
‫في تدريس تاريخ األمة اإلسالمية‬
‫المصطفى حميمو‬
‫الدكتورعبد الحميد اسماعيل األنصاري‪ ،‬استاذ بكلية الشريعة والقانون والدراسات اإلسالمية بجامعة قطر‪ .‬وكم‬
‫سعدت لما وجدته يقول في موقع األيام البحرينية أن دراسة التاريخ عبر مراحل التعليم العام للناشئة‪ ،‬لها األثر الكبير في‬
‫صياغة عقولهم وتشكيل وجدانهم وتوجيه سلوكهم وتنمية وعيهم بتاريخ أمتهم واستخالص الدروس والعبر منها‪،‬‬
‫وبالتالي تصورهم للحاضر والمستقبل‪ .‬كما أن لها اإلسهام األكبر في تشكيل نظرة شبابنا إلى الشعوب األخرى‪ ،‬وفي‬
‫ترسيخ التسامح وقبول اآلخر في البنية المجتمعية‪ .‬ودراسة التاريخ من جهة أخرى‪ ،‬له دور بارز في تقوية االنتماء‬
‫الوطني للطالب تجاه مجتمعهم ودولتهم ونظامها السياسي‪ .‬ومن هنا كانت أهمية بناء مناهج تاريخية تقوم على رؤى‬
‫مـــــتـــــوازنـــــة وموضوعية لألحداث والشخصيات التاريخية‪ ،‬بإبراز الجوانب اإليجابية والسلبية م ًعا لألعمال‬
‫واإلنجازات‪ ،‬بهدف تكوين عقلية نقدية لدى الطالب وإكسابه مهارة الفكر النقدي الحر منذ المرحلة اإلعدادية المبكرة‪،‬‬
‫هذه المهارة النقدية هي التحصين المعرفي ضد أمراض التطرف والغلو والكراهية واالستعالء والغرور الكاذب‪ .‬فماذا‬
‫عن تدا عيات تلك النزعة التمجيدية في تدريس تاريخ األمة ؟‬
‫من تداعيات اآلفة‬
‫تعجبت بل استنكفت من الحديث عن "المواالة في الشريعة اإلسالمية"‪ ،‬في بحث أكاديمي عن الحياة‬
‫االجتماعية في عهد العباسيين‪ ،‬تم إنجازه سنة ‪2018‬م بجامعة من جامعات إحدى الدول العربية‪ .‬وكأن للمواالة موجب‬
‫شرعي في اإلسالم‪ .‬ولتحديد المقصود بالمواالة جاء الباحث بقول ابن خلدون في المقدمة ‪" :‬كأن يقول رجل لرجل آخر‬
‫ليس لي عشيرة وال ناصر‪ ،‬وإني انضم إلى عشيرتك وتنصرني وتدفع عن نوائبي‪ ،‬وإن مت كان ميراثي لك‪ ،‬فيعقد‬
‫بينهما عقد الموالة"‪.‬‬
‫معنى ذلك أن األمن على حرمة كل من النفس والدين والعرض والمال الذي هو لب مقاصد الشريعة‪ ،‬كان ينبغي‪،‬‬
‫بموجب شرعي في المجتمع المسلم‪ ،‬أن يشتريه الرجل الذي ليست له عشير تنصره وتدفع عن نوائبه‪ ،‬بعقد من أحد‬
‫رجال عشيرة قوية‪ ،‬في مقابل أن يرثه من بعد مماته‪ .‬وذلك لما كانت الدولة تنهكه وتنهب رزقه بالضرائب من دون أي‬
‫عطاء‪ .‬في حين‪ ،‬وكما ينبغي وفق مقاصد الشريعة‪ ،‬األمن على ُحرمات أي إنسان بالمطلق‪ ،‬موكول اليوم إلى مؤسسات‬
‫عمومية أمنية وقضائية وعلى نفقة المال العام‪ .‬فكل إنسان مهما كان‪ ،‬ثبت االعتداء على حياته أو جسده أو عرضه أو‬
‫ماله‪ ،‬تتحرك فورا وبتلقائية ال ضابطة القضائية من شرطة أو درك‪ ،‬وتحت إشراف النيابة العامة‪ ،‬للبحث في النازلة‬
‫وتحديد المشبه به أو المشتبع بهم‪ ،‬وعرضهم على القضاء للتحقيق ثم المحاكنة وفق مقتضيات القانون‪ .‬وهذه العدالة‬
‫تفرق بين مواطن وغريب وال بين شريف ووضيع وال بين فقير وال غني‪.‬‬
‫اليوم ال ّ‬
‫فكيف تكون من الشريعة اإلسالمية مؤسسة المواالة العتيقة التي سادت في المجتمع المسلم وفق ما شرح مغزاها‬
‫ابن خلدون أعاله ؟ وكيف يصدر ذلك الحكم المعتدي على الشريعة اإلسالمية عن باحث أكاديمي مسلم بدولة مسلمة‬
‫وفي األلفية الثالثة وتحت إشراف أساتذة جامعيين ؟ كيف يصح من هؤالء األكاديميين بأن يظلوا يعتقدون هم كذلك مثل‬
‫العوام أن كل تقاليد وسنن األولين هي من صميم الدين ؟ ثم نتعجب لما يجد فيها المتطرفون ما يزكون به األوهام التي‬
‫‪1‬‬
‫تجعلهم يعتقدون أن الماضي كان كله أمجاد بفضل التمسك بالدين وأن الحاضر كله بؤس ومآسي بسبب التفريط في‬
‫الدين ؟ كيف يصح ذلك بالمقارنة مع ما أوردناه أعاله بخصوص األمن على الحرمات اليوم ووفق مقاصد الشريعة‪،‬‬
‫وهو أفضل وبكثير من تقاليد مؤسسة المواالة البائدة التي سادت في الماضي ؟‬
‫ومن ذلك تقاليد العبودية التي كانت من سنن األولين وتمت كذلك نسبتها لصحيح الدين‪ .‬لما اكتشفت في شهادة‬
‫الصحافي اإلنجليزي والتر هاريس في كتابه ‪ Morocco that was‬أن أسواق النخاسة ببعض مدن المغرب ظلت تقوم‬
‫جهارا حتى بداية القرن العشرين‪ ،‬وجدت صعوبة في تصديقه‪ .‬ولما قمت بترجمتها ونشرتها على صفحتي على‬
‫الفيسبوك أدركت أن المفاجأة كانت عامة‪ .‬اتهمه البعض بالتلفيق واالفتراء والبعض اآلخر بالمبالغة‪ .‬وعندما اكتشفت‬
‫شهادة مؤرخنا الناصري رحمه هللا في كتابه القيّم االستقصا‪ ،‬أدركت أن الجهل بحقيقة تاريخ بالدنا بشكل متوازن هو‬
‫الذي ينبغي اتهامه‪ ،‬أو باألحرى النزعة التمجيدية في تدريسه‪ .‬فدعونا نكتشف شهادة مؤرخنا ومشاعره في هذا الصدد‪.‬‬
‫تعودوا على‬
‫من بعد ما ذ ّكر بأن مالي وغانا كانتا بلدين مسلمين مفتوحين للتجار المغاربة‪ ،‬أغضبه كون هؤالء ّ‬
‫للتسري بهن طيلة مقامهم هناك‪ .‬والذي كان يحكي له ذلك من دون حرج بل مستحسنا له‪ ،‬صار يتلذذ‬
‫شراء خادمات‬
‫ّ‬
‫صال الْك َِري َمة فِي خَلقهن فَوق ال ُم َراد‬
‫بوصفهن كمن يش ّهي السامع فيهن‪ ،‬وهو يقول ‪" :‬إن هللا قد جعل فِي ِهن من ْال ِخ َ‬
‫السواد َوحسن ْالعَينَي ِْن واعتدال األنوف َوبَيَاض ْاأل َ ْسنَان َوطيب الروائح‪"....‬‬
‫من مالسة ْاألَبدَان وتفتق َ‬
‫صار كثير‬
‫فغضب مؤرخنا مما سمع وكتب يقول‪" :‬وقد تماأل الناس على ذَ ِلك وتوالت َ‬
‫علَيْ ِه أجيالهم َحتى َ‬
‫احيَة‪َ .‬و َهذَا لعمر هللا‬
‫من ْالعَامة يفهمون أَن ُموجب االسترقاق شرعا ه َُو اس ِوداد الل ْون‪َ ،‬وكَونه مجلوبا من تِ ْل َك الن ِ‬
‫علَ ْي ِهم َما علينا"‪.‬‬
‫من أفحش المناكر َوأ َ ْعظَم َها فِي الدّين‪ .‬إِ ْذ أهل السودَان قوم ُمسل ُمونَ ‪ ،‬فَلهم َما لنا َو َ‬
‫فنالحظ أن الناصري رحمه هللا‪ ،‬الذي كان ابن زمانه ومثل جميع الفقهاء المسلمين حتى عصره‪ ،‬كان‬
‫ضا فقه خاص بالرق‪ .‬فقه اختفى كما ينبغي له‪،‬‬
‫ضا أن لالسترقاق موجب شرعي‪ .‬وبالطبع كان هناك أي ً‬
‫يعتقد أي ً‬
‫ألنه مع إلغاء العبودية واختفائها‪ ،‬لم يعد لوجوده من مبرر‪ .‬المسوغ الوحيد لوجوده كان مجرد الحاجة لتدبير‬
‫تقليد شنيع موروث ومتجذر في النفوس منذ القدم‪ ،‬تعذر القضاء عليه مع مجيء اإلسالم‪ .‬فاختفى ذلك الفقه كأنه‬
‫لم يكن موجودًا ألنه ليس له أي موجب شرعي كما كان يُعتقد حتى عهد الناصري‪ّ .‬‬
‫وإال ُكنا وجدناه على األقل‬
‫وبالتأكيد يُدرس بالجامعية في شعبة الدراسات اإلسالمية‪.‬‬
‫ومسألة العبودية في القرآن وفي تعاليم النبي الكريم خصت مجرد ما تبقى منها حتى عهده‪ .‬تعلق األمر بما‬
‫تبقى من العبيد واإلماء في ذلك الوقت‪ .‬وما كان من مسوغ السترقاق المزيد منهم‪ .‬وذلك وفق ما ي ُقال وكما‬
‫ينبغي‪ ،‬أن اإلسالم قد سدّ باب الرق وفتح باب العتق‪ .‬فاإلسالم جاء لتحرير البشر من عبادة العباد لعبادة رب‬
‫العباد كما قيل لملك الفرس‪ .‬فكيف يصح أن يسترق المسلمون بشرا أيا كان؟‬
‫فكان يجب تحرير من بين ما تبقى من العبيد عند المسلمين كل من أنس من نفسه القدرة على تحمل‬
‫َ‬
‫يبحث ع ّمن يسترقه من جديد‪ ،‬كما حصل مع العديد‬
‫مسؤولية العيش كإنسان حر‪ ،‬وإال وجدته من بعد تحريره‬
‫من العبيد الذين تم تحريرهم في الواليات المتحدة إبّان ما سمي بحرب االنفصال ‪ guerre de sécession‬ما‬
‫بين ‪ 1861‬و‪ .1865‬وأورد والتر هاريس السالف الذكر في شهادته مثاال على ذلك بالمغرب‪ .‬وهذا هو تفسير‬
‫عدم ورود األمر بتحريرهم دفعة واحدة في القرآن الكريم‪ .‬فتم تحرير الراشدين نفسيا من بينهم إما منّا أو‬
‫‪2‬‬
‫بالمكاتبة‪ .‬وتم االحتفاظ بغيرهم مع واجب رعايتهم كأفراد من األسرة إلى حين يتمكنون من إعالة أنفسهم‬
‫بأنفسهم أو حتى وفاتهم‪.‬‬
‫وكما تقدم‪ ،‬ما كان من مسوغ السترقاق غيرهم‪ .‬فال توجد‪ ،‬وكما ينبغي‪ ،‬جنحة أو جناية يعاقب عليها‬
‫الشرع باالسترقاق‪ .‬حكم أسير الحرب في القرآن الكريم هو تسريحه إما منّا أو بدفع فدية‪ ،‬وال يسترق بأي حال‬
‫من األحوال‪ .‬وبما أن هذا هو حكم األسير المقاتل‪ ،‬فبأي حق يُسترق األبرياء من النساء واألطفال والرجال غير‬
‫المقاتلين وتستباح حرماتهم التي جاء اإلسالم لحمايتها ؟ ال حق في ذلك على اإلطالق‪ .‬فلوال فتح باب الرق من‬
‫جديد ومن دون موجب شرعي‪ ،‬لكانت العبودية قد انتهت واختفت من تلقاء نفسها في المجتمع المسلم عند وفاة‬
‫آخر عبد وآخر أمة ممن تبقى منهم حتى عهد الرسول الكريم‪ .‬ولكن ولألسف الشديد غلبت العادة الشنيعة‬
‫وسيطرت وهيمنت على قيم وتعاليم ومقاصد الشريعة النبيلة‪.‬‬
‫ومن تعود المسلمين حتى يومنا هذا على تنزيه السلف عن الخطأ وكأنهم مالئكة وليسوا بشرا‪ ،‬تجدهم‬
‫يجتهدون في إيجاد األعذار إلبقائهم على ممارسة االسترقاق واالستئناس به واالستمتاع بمحرماته‪ .‬وهي أعذار‬
‫واهية‪ ،‬ألنه إذا كان العدو يقوم مثال باسترقاق األسرى المسلمين أو يعذبهم أو يمثل بأجسادهم أو يحرقهم أو‬
‫يدفنهم أحياء‪ ،‬فما كان يجوز للمسلمين فعل الشيء نفسه بأسراه‪ .‬المسلم هو القدوة والنموذج المت ّبَع بالنسبة‬
‫لغيره‪ ،‬وليس العكس‪.‬‬
‫وكما سنرى في بقية شهادة الناصري‪ ،‬فإن العبودية التي سادت في مجتمع المسلمين طيلة تاريخهم ما‬
‫كانت لها على اإلطالق أية عالقة بأسرى الحرب‪ .‬بل المترفون من كل أطياف خاصتهم وليس عامتهم‪ ،‬هم‬
‫الذين ظلوا يجدّون ويجتهدون في شراء العبيد من أسواق النخاسة أو من داخل دور النخاسين كما جاء في شهادة‬
‫والتر هاريس‪ ،‬كشرائهم السلع وبهائم األنعام‪ .‬بل كان النخاسون يجلبون لهم ما يشتهون من أصناف الرقيق من‬
‫جميع أنحاء العالم‪ .‬وكان البد من إخصاء الذكور من بينهم المطلوبين للخدمة في الحريم‪ ،‬إما من مصدر‬
‫البضاعة أو عند وصولها‪.‬‬
‫وبقية حديث الناصري مؤرخنا الجليل‪ ،‬عن العبودية مبني بالكامل على هذا التقليد البشع الذي أريد أن‬
‫يكون له موجب شرعي لتبريره‪ .‬لذلك ليس من المفيد التوسع فيه هنا‪ ،‬حتى ال نحيد عن موضوع هذا المقال‪ .‬إال‬
‫أن هذا التقليد المؤسف وبحسب شهادة الناصري نفسه‪ ،‬قد تسبب كعادته في مآسي االعتداء على حرمات البشر‬
‫مثل التي حصلت في عهد الجاهلية‪ .‬فماذا قال عن مآسيها في المغرب حتى نهاية القرن التاسع عشر ؟‬
‫عن أهل الْعدْل َوغَيرهم أَن أهل السودَان (مالي) ْاليَ ْوم َوقبل ْاليَ ْوم يُغير‬
‫قال في نفس الكتاب‪َ " :‬وقد استفاض َ‬
‫عن مداشرهم وعمرانهم"‪ .‬ثم‬
‫بَعضهم على بعض ويختطف بَعضهم أَبنَاء بعض ويسرقونهم من ْاأل َ َما ِكن النائية َ‬
‫قال‪َ " :‬وإِن فعلهم ذَ ِلك كَفعل أَع َْراب ْالمغرب فِي إغارة بَعضهم على بعض واختطاف دوابهم ومواشيهم أَو‬
‫صار الفسقة ْاليَ ْوم َوأهل الجراءة على هللا يختطفون أ َ ْو َالد ْاألَح َْرار من قبائل‬
‫سرقتها"‪ .‬وأضاف قائال‪" :‬بل َ‬
‫ارى‬
‫ار الن َ‬
‫ْالمغرب وقُراه وأمصاره ويبيعونهم ِفي ْاألَس َْواق جهارا من غير نَ ِكير َو َال امتعاض للدّين‪َ .‬و َ‬
‫ص َ‬
‫ص َ‬
‫َو ْاليَ ُهود يشترونهم ويسترقونهم بمرأى منا ومسمع"‪ .‬وهذا حتى نهاية القرن التاسع عشر‪ .‬وختم استنكاره قائال‬
‫امل لَ ُهم على ذَ ِلك قلة الدّيانَة َوعدم ْال َو ِازع‪ .‬فَكيف يسوغ للمحتاط لدي ِن ِه أَن يقدم على ِش َراء َما ه َُو من‬
‫" َو ِإن َما ْال َح ِ‬
‫اإل ْقدَام على فرج َم ْش ُكوك ؟"‪.‬‬
‫َهذَا ْالقَ ِبيل ؟ َوكَيف يجوز لَهُ الت َ‬
‫س ِ ّري بإناثهم َو ِفي ذَ ِلك َما ِفي ِه من ْ ِ‬
‫‪3‬‬
‫الدروس والعبر‬
‫القول بأن هذا من الماضي‪ ،‬كم أريد أن أصدق ذلك‪ .‬إال أنه سرعان ما تشعر بخيبة األمل لما تقرأ هنا وهناك‬
‫أخبارا عن اختطاف النساء والفتيات اليزيديات‪ ،‬على سبيل المثال ‪ ،‬بكردستان في شمال العراق‪ .‬والذين يسترقونهم‬
‫ً‬
‫للتسري بهن وللعبث بأعراضهن وباسم اإلسالم‪ ،‬واإلسالم براء من أفعالهم الشنيعة مثل براءة الذئب من دم يوسف‪ ،‬لم‬
‫ّ‬
‫يُبعثوا من القبور وال سقطوا من السماء مع المطر‪ .‬إنهم جاؤوا إلى هنالك‪ ،‬ليس فقط من عالمنا المسلم وتعلموا في‬
‫ضا من أوروبا‪ .‬و ُوجد من بينهم حتى بعض األوروبيين الذين‬
‫مدارسه ومن بينهم حتى من درس بجامعاته‪ ،‬ولكن أي ً‬
‫أسلموا حديثًا‪ .‬وما عُرف حتى عصر الناصري بالعبودية بموجب شرعي‪ ،‬تواجد في أذهانهم كما كان من قبل‪ .‬وببالدنا‬
‫ال زلنا مع األسف الشديد نسمع بين الفينة واألخرى أخبار تواجد من بايعوا تلك المنظمة بالعراق والشام لما يتم القبض‬
‫عليهم‪ .‬وسرعان ما أتصور أن العبودية بموجب شرعي معششة في أذهانهم‪.‬‬
‫لو أنهم تلقوا جمي ًعا وكما ينبغي درو ًسا في التاريخ حول مأساة العبودية عبر العصور وفي جميع أنحاء العالم‪،‬‬
‫لكانوا قد رفضوا من تلقاء أنفسهم فكرة العبودية بموجب شرعي‪ ،‬ولبرأوا‪ ،‬كما ينبغي‪ ،‬اإلسالم منها وبقوة‪ .‬ولما انجذبوا‬
‫أصال ألي تطرف على اإلطالق‪ .‬لكن مع األسف الشديد ال تزال تلك هي الحقائق الصادمة من واقع اليوم‪ .‬فماذا عن‬
‫الدروس والعبر ؟‬
‫يبقى العالج الشافي لكبح آفة التطرف‪ ،‬في نظري‪ ،‬في تدريس التاريخ مكتمال ومتوازنا كما هو بحلوه ومره‪.‬‬
‫التاريخ الذي من شأنه أن يزيل عن الماضي تلك النزعة التمجيدية التي ال تزال تخفي عن أجيال المسلمين الصاعدة ما‬
‫كان فيه من مثالب بالنسبة للرعية وحتى للحكام‪ .‬وليس تاريخ السالالت الحاكمة المبثور‪ .‬لماذا وصفته بالمبثور؟‬
‫فمعركة وادي المخازن‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬والتي دائ ًما ما يُعلي من كبرياء المغربي والمسلم‪ ،‬متى وأينما ذ ُكرت ال يتم‬
‫الحديث بما يكفي عن سببها األصلي‪ .‬ذلك السبب الذي كان من أشد مثالب ماضي األمة المسلمة‪ ،‬أال وهو آفة ودوامة‬
‫الصراع على الحكم‪.‬‬
‫فقد كان ذلك الصراع قُبيل معركة وادي المخازن بين السلطان عبد الملك من جهة وابن أخيه محمد بن عبد هللا‬
‫الغالب من جهة ثانية‪ .‬خلعه عمه بدعم من األتراك وأخذ مكانه‪ .‬فذهب المخلوع للبحث بدوره عن دعم ملك إسبانيا‪.‬‬
‫الملك الذي فضل االحتفظ به البتزاز عبد الملك‪ .‬ولما فطن لذلك لجأ إلى طلب دعم سباستيان ملك البرتغال‪ .‬وذلك في‬
‫مقابل الوعود بالتخلي له من جديد عن بعض الموانئ‪ .‬هذا من بعد أن طرد جده محمد الشيخ وعمه أحمد األعرج‬
‫البرتغاليين من عدد كبير من الشواطئ المغربية‪.‬‬
‫لذا ب دال من التوقف عند االنتصار في معركة وادي المخازن‪ ،‬الذي ينبغي أن يكون موضوع مادة التاريخ المتوازن‬
‫هو أيضا تدريس تاريخ آفة الصراع على السلطة مثال‪ ،‬والتي أثتت كل ماضي المسلمين‪ .‬ألنها اآلفة التي ظلت تتسبب‬
‫في مآسي كل من الحكام والرعية وأعاقت تقدمهم من بعد ما أوقفته‪ ،‬فتخلفوا وتقدم غيرهم‪ .‬ولو أنه تم توسيع تدريس‬
‫مادة التاريخ إلى ماضي باقي األمم ألدرك المسلمون أن أوروبا ما عرفت تلك اآلفة‪ .‬ظل ال ُملك فيها بيد بضع األسر من‬
‫دون صراع عليهما ال من داخلها وال من خارجها‪ .‬فلماذا ؟ وماذا ترتب عن ذلك االستقرار السياسي ؟ هذا هو ما كان‬
‫ينبغي البحث فيه وتدريسه‪.‬‬
‫وماذا عسى الطالب المسلم باإلعدادي والثانوي أن يستفيده من مثل هذا الموضوع مكتمال في مادة التاريخ‬
‫المتوازن؟ أوال لن يُشمت في ماضي أسالفه الذي كان مثل ماضي باقي البشر‪ .‬وبمعيار أمن العباد على حرماتهم الذي‬
‫‪4‬‬
‫يشكل مقاصد الشريعة‪ ،‬يدرك أن نظام الحكم البائد كان دون مبتغى اإلسالم‪ .‬فال يحن إليه وال يفكر في إعادة إنتاجه من‬
‫جديد مع ما في ذلك من تهديد ألمن البالد والعباد‪ .‬وإذا كان حال الحكم في زمانه ال يزال على نفس الحال القديم‪ ،‬تجده‬
‫يفكر في أفضل منه حيث ما ُوجد في العالم‪ ،‬وليس أبدا في الرجوع إلى مثله في الماضي الذي صار يعرفه جيدا‪ .‬أما إذا‬
‫وجده أحسن من دي قبل فيسعى للمساهمة في الحفاظ عليه وفي تطويره‪ ،‬وليس أبدا في هدمه وتخريبه مهما ساءت‬
‫أحواله فيه‪ .‬فهذا مثال على نوعية مواضيع مواد مادة التاريخ المتوازن التي من شأن تدريسها أن ييسر تثقيف وتربية‬
‫الشباب السلم التربية الموسوعية المطلوبة لتحصينه ضد أي انحراف وأي تطرف‪.‬‬
‫وعلى هذا المنوال وبدال من تاريخ السالالت التي تعاقبت على الحكم‪ ،‬ينبغي أن يهتم تدريس التاريخ المتوازن‬
‫بتاريخ العدالة في عالم المسلمين وعالم غيرهم للمقارنة‪ ،‬وتاريخ الجباية وتاريخ التشريع وتاريخ الحرية‪ .‬الحرية التي‬
‫كانت مطلب شباب ما سمى بالربيع العربي‪ .‬الحرية التي ظهر الشباب المسلم وكأنه يكتشفها ألول مرة‪ ،‬بسبب غياب‬
‫تدريس تاريخها‪ .‬فظلت تختلط في الذهن بالحرية اإلباحية كما حصل مع مؤرخنا الجليل الناصري في كتاب االستقصا‪.‬‬
‫في حين قد تم تكرار الكلمة بمعناها السياسي مئات المرات‪ ،‬ومنذ القرن األول للميالد‪ ،‬في كتاب "تاريخ روما منذ‬
‫تأسيسها"‪ ،‬للمؤرخ الروماني تيتوس ليف المتوفى سنة ‪19‬م‪.‬‬
‫تلك الحرية التي لو كان ماضيها من مواضيع مادة التاريخ المتوازن لعلم الشباب المسلم أنها بدأت قصتها في روما‬
‫منذ القرن الثامن قبل الميالد‪ .‬وبدأت قصتها منذ ‪697‬م بجمهورية البندقية التي دامت فيها إحدى عشر قرنا‪ ،‬ومنذ عام‬
‫‪1215‬م في إنجلترا مع دخول الميثاق العظيم ‪ Magna Carta‬حيز التنفيذ ومع إنشاء مجلس اللوردات ثم مجلس العموم‬
‫في نفس القرن‪ ،‬ومنذ عام ‪1620‬م في قرية بليموث بأمريكا الشمالية لما هاجر إليها الالجؤون البروتستانت على متن‬
‫سفينة ماي فالورس هاربين من االدطهاد بإنجلترا‪ .‬وهم المعروفون باآلباء الحجاج‪ .‬لو تم هكذا تدريس تاريخها في‬
‫َ‬
‫ولبحث عما إذا كانت لها أيضا قصة في تاريخ‬
‫مدارسنا لما كان شبابنا من بين آخر من يدرك معناها السياسي بالعالم‪.‬‬
‫أسالفهم‪.‬‬
‫وعالوة على تدريس تاريخ الحرية‪ ،‬ينبغي تدريس تاريخ نشأة وتطور الخدمات العمومية بالغرب والشرق‪،‬‬
‫وتاريخ الصحة والطب وتاريخ العلوم والتعليم والزراعة والتجارة والصناعة ولما ال تاريخ نشأة البنوك وأسواق‬
‫األوراق المالية وتطورها ؟ وتاريخ البحرية بجميع أنواعها وتطورها الخ‪ ...‬أي تاريخ كل ما له عالقة من قريب أو من‬
‫بعيد بالحياة اليومية للناس ليس فقط ببالد المسلمين بل حتى ببالد من حولهم‪ .‬ويجب تدريس كل من تلك المواضيع‬
‫بطريقة شاملة‪ ،‬كتاريخ العدالة مثال‪ ،‬في العالم المسلم مع المقارنة بتاريخها بباقي العالم ومقارنتها أخيرا وبصفة خاصة‬
‫بالعدالة اليوم‪ .‬ثقافة موسوعية نـــعــــم‪ ،‬وبقدر اإلمكان‪ ،‬لما ال ؟ وذلك حتى تنشأ عند المتلقي الرغبة في إغنائها طيلة‬
‫حياته‪ ،‬فال يجده المتطرفون خاوي الوفاض وال يصطادونه وال يُغررون به‪.‬‬
‫منهج تعليمي أساسه الــــتـــربـــيـــة قبل كل شيء‪ ،‬بتوسيع المعرفة‪ .‬يتم إعداد برامجه وتطويرها من قبل‬
‫األكاديميين في شعب التاريخ والجغرافيا بمختلف كلياتنا‪ .‬ويتم تكييفه مع كل مستوى من مستويات التعليم اإلعدادي‬
‫يغرر بالشباب‬
‫والثانوي‪ .‬وبالنظر لطبيعته الـــــتــــربـــويــــة يُكلف بتدريسه أساتذة التربية اإلسالمية‪ ،‬حتى ال يأتي من ّ‬
‫باسم اإلسالم‪ .‬هم األساتذة األقدر على الحكم على األمور بمعيار مقاصد الشريعة السمحة‪ .‬مع العلم أن الجميع‪ ،‬أساتذة‬
‫وطلبة‪ ،‬سيظلون دوما بحاجة إلى إثراء معارفهم‪ ،‬من أجل إزالة تلك النزعة التمجيدية عن الماضي وكشفه على حقيقته‬
‫ومقارنته المقارنة الصحيحة بالحاضر‪ .‬الحاضر الذي ينبغي تقييمه بميزان القيم والمقاصد النبيلة لإلسالم والكامنة في‬
‫الحفاظ على أمن حرمات البالد والعباد‪ .‬فهذا في نظري هو اللقاح الثقافي والتربوي الف ّعال ضد آفة التطرف والتشدد‪.‬‬
‫أليست الوقاية خير من العالج ؟‬
‫‪5‬‬
Téléchargement