قصة التتويج الغريب لعبد العزيز سلطان المغرب المصطفى حميمو قصة ق ّل من يعرف دقائق تفاصيلها كما أخذها مصور السلطان الفرنسي ﯕابريال ﭬير من صديقه الوزير المهدي المنبهي ،وكما أخذها منه أيضا الصحفي اإلنجليزي والتر هاريس ،مستشار نفس السلطان عبد العزيز في المالية .تختلف القصتان فقط في بعض التفاصيل البسيطة .نوردها هنا مترجمة إلى العربية من كتاب ﭬير Dans l’intimité du sultanبمعنى في حميمية السلطان. مسألة والية العهد بالمغرب موالي عبد العزيز ،الذي جعلتني صدف المغامرة أعيش بالقرب منه ،يقول ﭬير وهو يخاطب قراءه الفرنسيين ،كان هو الخامس من بين ستة أبناء السلطان موالي الحسن .والدته لال رقية شركسية .اشتهرت بجمالها الفائق فشغفت السلطان حبا في السنوات األخيرة من حياته .ولما أنجبت منه هذا االبن ،وهو األول الذي حصل عليه منها ،سماه "عبد العزيز" لكونه ابن جاريته المحبوبة. وخالفة عرش المغرب ال تكون بالضرورة من نصيب اإلبن األكبر .فال شريعة النبي وال العادات تتطلب ذلك .السلطان نفسه هو الذي يعيّن خليفته قبل وفاته .والشرط الوحيد المفروض عليه هو أن يكون ً ً أصيال للنبي .لما يتحقق هذا الشرط ،فعرش اإلمبراطورية يعود إلى الشخص الذي سليال وريثه شريفًا ،أي منحه السلطان البركة. إخفاء وفاة السلطان موالي الحسن مهما كان تأثير اللة رقية والدة األمير الشاب عليه هل كان موالي الحسن سيفضل عبد العزيز على باقي أبنائه ؟ من يستطيع أن يعرف ذلك ؟ في عام 1894كان السلطان في حملة عسكرية ضد قبيلة متمردة. وهو أمر معتاد إلى حد ما في المغرب .فأصيب بوعكة صحية مفاجئة قضت عليه في غضون ساعات قليلة. وكما هو معتاد ،كانت كامل حكومته برفقته. وكان وزيره األكبر با حماد رجالً ذا طموح غير محدود ،ومستعدًا لفعل أي شيء من أجل تحقيقه. وبالكاد نعرف متى ستساعده الظروف وإلى أي حد ينبغي التوقف عن الشك فيه .أقل ما يمكن أن يقال ،هو أنه أمام هذا الموت المفاجئ كان أول ما فكر فيه هو االستفادة من هذه الصدفة للحفاظ على النفوذ الكبير الذي ظل يتمتع به لفترة طويلة في عهد السلطان الحسن الذي لم يكن من السهل الهيمنة عليه .فصار يفكر في إذا ما بقيت لديه الوسائل للتمتع بنفس النفوذ في عهد السلطان القادم. وهكذا أمام الجثة الهامدة والتي لم تبرد بعد ،خطرت بباله خطة ال تخلو من دهاء .هذا في حال ما افترضنا أنها لم تكن مخبأة في مخه من قبل .يتعلق األمر باستبعاد أبناء اإلمبراطور األربعة األكبر من اعتالء العرش ،واستدعاء طفله عبد العزيز الذي كان في الرابعة عشرة من عمره العتالئه حتى يحكم هو باسمه على األقل إلى حين بلوغه سن الرشد. على كل حال ،يبدو أن موت الحسن المفاجئ قد أخذ شيئا ما الوزير با حماد على حين غرة .فكان عليه تصحيح هذا الخطأ من القدر .هذا في حال ما كان بالفعل هناك خطأ ً أم حنكة عالية وحزم في اتخاذ تشرع بطريقة ما لنجاح دسيسته. القرار وسرعة في التنفيذّ ، 1 خطة تتويج عبد العزيز وتنفيذها كان عبد العزيز في الرباط عندما لفظ والده أنفاسه األخيرة .فصار من الضروري إبقاء هذه الوفاة سرية فترة تكفي للسماح لألمير الشاب ،الذي تم إرسال من يجلبه على عجل ،بالمجيء قبل معرفة الحقيقة. وصار من الضروري أيضا االحتفاظ بكامل المعسكر في حالة ترقّب إلى حين وصول الطفل .وذلك من بعد ما انتشرت بالفعل شائعة مرض السلطان .ثم الحرص على جعل الجميع يصدق احتمال إرسال السلطان نفسه في طلب ابنه المولى عبد العزيز لما شعر بالقرب من نهايته كي يسلمه بركته .ما كان مكيافيلي ليقلل من شأن مثل هذا التخطيط. ومع ذلك لم يخلو تنفيذ الخطة من تعقيدات .فما أن تتسرب الحقيقة حتى تنتهي دسيسة با حماد. مجرد شك ضئيل متداول بين الجنود كان بإمكانه أن يفسد كل شيء .في فاس اليوم ،وقد كنتُ شاهدا على ذلك أكثر من مرة ،يكفي السلطان الذي تمت رؤيته قبل يوم مبتسما وفي أحسن أحواله ،ثم من دون أن يظهر من بعد يومين أو ثالثة ،حتى تنتشر على الفور شائعة وفاته .لكن الجيش بأكمله في المعسكر كان يعرف أن صحة موالي الحسن كانت متدهورة لعدة أيام من قبل .كما كان باإلمكان أن تصل هذه األخبار إلى فاس قبل األوان .فاس حيث يقيم موالي محمد الملقب بـاألعور .وهو االبن األكبر للسلطان الراحل وولي عهده المرتقب .حينها يصبح كل شيء موضع تساؤل. لدرء هذا الخطر المحدق ،لجأ با حماد إلى حيلة ماكرة .باسم اإلمبراطور استدعى الجيش لالستعراض .وبحجة مرض موالي الحسن أعلن أن السلطان سوف يمر من أمام القوات مستلقيا على سريره .ومن بعد تأكده من تواطؤ الحاشية المباشرة للملك المتوفى معه بالترغيب والترهيب ،تم لف الجثة التي بالكاد بردت ،في قماش أبيض .ثم ُوضعت على سرير متنقل من فوق وسائد سميكة .وتم تمريرها فوق األكتاف من أمام الصف الطويل للقوات وهي تتأرجح بشكل بائس بفعل خطوات العبيد العسكرية الذين كانوا يحملونها .فلم يالحظ أحد أو لم يشأ أحد أن يالحظ هذه الخدعة المروعة. ولما أعيدت الجثة الهامدة إلى خيمتها ،كان أمام ابن اللة رقية متسع من الوقت للوصول .في حين ظلت المعسكر بأكمله يتمنى استعادة صحة ِسدْنا .ومن بعد يومين تم استعراض الجيش من أمام عبد العزيز بوصفه السلطان الشريف الجديد خلفا ألبيه موالي الحسن .وظل الوزير القوي با حماد لصيقا بالعاهل الجديد كما لو كان ظله .با حماد الذي بنفوذه ودهائه جعل منه ملك البالد الجديد والجليل .الملك الطفل الذي ظل بين يديه مثل الدمية الطيعة طيلة ست سنوات .وحينها بفاس ،سرعان ما علم موالي محمد بوفاة والده وأكد على الفور حقه في خالفة موالي الحسن .أكده ربما من قبل أن يعرف األحداث التي أعقبت الوفاة وإعالن أخيه الصغير سلطانا ،أو قرر تجاهلها.، وقد كان محمد قويا إلى حد القسوة .كان من النوع الحقيقي للسالطين قاطعي الرؤوس المتعطشين للدماء من أجل فرض استبدادهم واحترام قوتهم .فأكد أنه الجدير بخالفة موالي الحسن .أكد ذلك بقناعه الشرس الذي دمره الجدري والمليء بالبثور وال يلمع فيه سوى بريق عين واحدة .عالوة على كل ذلك فقد كان محبوبًا جدًا .ومن بعد أن تجمع من حوله عدد معين من األصدقاء المخلصين والمستعدين ألي تضحية من أجله ،فقد صارت لديه الوسائل الكافية لدعم مزاعمه. لكن قوة الشخصية هذه بالتحديد وهذه الشعبية المتزايدة هي التي كانت مصدر قلق با حماد .ولكل هذا بالذات اتخذ الثعلب العجوز بعناية جميع احتياطاته .فقبل أن تتشكل حركة جادة لصالح األمير الطامع في العرش والذي ظهر فجأة في وجه مخططه ،بادر الوزير األعظم باختطافه وسجنه في مكناس. في الماضي ،عندما لم يكن هناك حدث خطير يزعج سالمتهم ،كان سالطين المغرب يقطنون دوريا بقصورهم لمدة عامين في كل من العاصمتين فاس ومراكش .لكن في عهد موالي عبد العزيز ،ما كان با حماد يجرؤ على القدوم مع السلطان إلى فاس .ظل قلقًا يتوجس من االستقبال الذي سيُقدَّم له ولإلمبراطور 2 الشاب صنيعته ،من بعد أن سجن بأمره منه موالي محمد .األمير محمد الذي كان يعرف أن فاس ظلت وفيّة بكل صدق لألمير الذي جرده من العرش. 3