حق طاله اإلغفال والنسيان في إعالن حقوق اإلنسان المصطفى حميمو صرنا نقرأ ونسمع من حين آلخر عن المطالبين بحذف الفصل المجرم للعالقة الجنسية الرضائية بين بالغين خارج إطار الزواج .إن كانوا من الذين ال يعبأون بأي دين يحرم تلك العالقة ،فذلك شأنهم .ولن نتفاعل معهم في هذا الموضوع على هذا األساس ،وإنما باسم األخالق اإلنسانية المشتركة بين كل البشر ،والتي ال نيأس من كونهم يقيمون لها الوزن التي تستحقه. فهم كغيرهم ،يعلمون جيدا أنه ال شيء يضمن بالقطع اجتناب خطر الحمل الناتج عن مثل تلك العالقة .بل صرنا نسمع بنساء يتعمدن الحمل عن طريقها باسم الحرية ،وكأنهن سينجبن قطا أو جروا مبتورا من أصوله ،وال حاجة له بمعرفتهم وال باعترافهم به .فيتجاهلن أن ذلك الجنين الناشئ في الرحم هو الطرف الثالث في تلك العالقة الثنائية، كإنسان له حقوق ،وإلم يرى النور بعد ،كي يستشار عن رضاه بتلك العالقة أم ال .فيقرر الطرفان ومن دون حرج، مصيره في غيابه وهو الذي سيعاني حتما من مآسيه طيلة حياته منذ أن يعي وضعه االجتماعي البئيس بين عموم الناس. في غمرة تلك العالقة ،يغفالن عن أن الواقع المعيش يملي عليهما عدم تجاهل حق كل طفل في ذلك الحق المقدس والخطير ،وضمانه ومراعاته من قبل أن ينشأ في رحم األم .الحق الذي أغفل إعالن حقوق اإلنسان العالمي إدراجه في مواده الثالثين .أغفل إدراج ضمان حقه الضروري في معرفة أصوله أمواتهم وأحيائهم ،وال سيما في اعتراف أحيائهم به علنا أمام الناس ،وذلك من قبل أن ينشأ في رحم أمه .وال يكفل له ذلك الحق سوى اإلنجاب في إطار الزواج الموثق، وليس مجرد المعاشرة بين امرأة ورجل ،التي صارت شائعة من دون أدنى حرج بدول الغرب. شاعت في تلك المجتمعات المعاشرة بمعنى العيش المشترك بين رجل وامرأة في بيت واحد ومن دون زواج. فيصف كل منهما اآلخر بالعشر compagnonبدال من الزوج .mariوغالبا ما يكون لهما أطفال ،مع أطفال من أطراف أخرى ،من رجال سابقين بالنسبة للمرأة ومن نساء سابقات بالنسبة الرجل .ولما يتحدثون عنهم يقال في حق كل منهم ،mon ex.وأحيانا mes exلكثرتهم. هكذا مجتمع صار ال يعرف فيه عدد متزايد من األطفال أحد األبوين enfants monoparentauxأو كليهما ،enfants nés sous xال ينتمون ألي أسرة وال ألي أصول يعرفونهم ويعترفون بهم .كل طفل منهم مقطوع من شجرة ،ليس ألنه وحيد وال أهل له ،كما يقال .بل له أهل ككل إنسان ،سوى أنه إما ال يعرفهم أو يعرفهم لكن ال يشرفهم أن يعترفوا به .وذلك بسبب استفحال غياب الحرج والشعور بالذنب في تلك المجتمعات من تلك المعاشرة خارج إطار الزواج ،منذ أن غاب فيها القانون الذي يجرمها. ويبقى األمر المواسي بهذا الخصوص ،في إعالن حقوق اإلنسان ،هو مضمون الفقرة األولى من المادة 16التي تقول أنه للرجل والمرأة ،متى أدركا سن البلوغ ،حق التزوج وتأسيس أسرة ،دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين .لكنها ظلت غير كافية لضمان حق كل طفل في معرفة أصوله وفي اعترافهم به من بعد إنجابه ،لما تركت الباب مفتوحا إلباحة المعاشرة الرضائية بين بالغين خارج إطار الزواج. 1 حق أغفل إعالن حقوق اإلنسان إدراجه في مواده الثالثين ،ألنه حق ال يشعر بقيمته وبوزنه في الحياة سوى الذي حرم منه بشكل أو بآخر .حق يشقى من مرارة الحرمان منه وفي صمت مؤلم طيلة حياته .شقاء مستدام قد يلحق جيال أو جيلين من نسله .شقاء مثل شقاء من يسجن ظلما وال يشفى منه إال حين يحصل على االعتراف ببراءته ومحو الجرم المفترى عليه من سجله العدلي .بل شقاء طفل المعاشرة الرضائية خارج إطار الزواج أنكى وأمر .ألنه كشقاء المغتصبة قهرا .شقاء ال شفاء من عاره أبدا ،وهي ضحيته البريئة .كذلك الشقاء الناجم عن حرمان طفل المعاشرة الرضائية من الحق في معرفة أصوله واعترافهم به .حق ال يستدرك بأي حال من األحوال طيلة الحياة. والذين يطالبون برفع تجريم المعاشرة الرضائية خارج إطار الزواج ،يعلمون جيدا أنه من المستحيل االستجابة له في مجتمعاتنا .مجتمعاتنا التي برهنت في مونديال قطر 2022بقوة وبكل فخر أمام كل العالم أنه ال سبيل للتطبيع فيها مع أي شكل من أشكال اإلباحية األخالقية .المجتمعات التي ستظل ال ترحم وبحق ،كل من يتجرأ على خرق أعرافها المحافظة .محافظة نبيلة ال ولن تخجل منها أبدا ،ما دامت تكفل ضمان وصيانة حق كل طفل في معرفة أصوله وال سيما اعترافهم به .هكذا مختلف األديان لم تحرم تلك المعاشرة خارج إطار الزواج عبثا وتعسفا .بل من أجل ضمان ذلك الحق الذي ال يزال يطاله اإلهمال والنسيان في إعالن حقوق اإلنسان. فقط مطلب رفع تجريم المعاشرة خارج إطار الزواج ،والمستحيل االستجابة له ،من شأنه التشجيع على استفحال هتك ذلك الحق المقدس من دون الشعور بالذنب وال بالحرج .األمر الذي صار تحصيل حاصل بالمجتمعات الغربية .مع العلم أنه بالرغم من حسنات تواجد الفصل المجرم لتلك العالقة في بلداننا ،ومع قسوة مجتمعاتها ضد من يرتكب ذلك الجرم ،ال يزال ضحاياها يعدون باآلالف بما فيهم األمهات واألطفال ،ودائما من دون الشركاء فيه من الرجال. فال حاجة لمجتمعاتنا باستفحال تلك الظاهرة المؤسفة من جراء تواجد من يطالب بتحرير تلك العالقة المتسببة فيها .والخطاب هنا لضميرهم اإلنساني ،علهم ينظرون بعين الرحمة للقادم من األطفال ،كي ال يتم إنجابهم خارج إطار الزواج ،فال يحرمون من حقهم الطبيعي والمقدس في معرفة أصولهم وفي اعتراف واعتزاز أصولهم بهم. 2