Telechargé par Othmane Maziane

موقع الباحثون

publicité
‫مقاالت الباحثون‬
‫المؤِّش ر والمعيار والمقياس والفرق بينهما ‪ -‬د‪ .‬نـــبــيــل طــعــمــة‬
‫بما أننا ندور في فلك أسس المفاهيم التي ُب نيت عليها‬
‫عمليات التطور في العالم األول بصنوفه االجتماعية‬
‫واالقتصادية والسياسية‪ ،‬وكذلك من خالل اعتمادها‬
‫وتطبيقاتها بعد إحداث الثورة الصناعية الكبرى في‬
‫أوربا من ‪1750‬م‪ ،‬والتي استمرت في التطور والتقدم‬
‫ولم تتوقف من بدايات المكننة الزراعية وصوًال إلى‬
‫الفضاء متابعة في قضايا الذرة والليزر؛ والتي رافقتها‬
‫أيضًا ثورات في البناء الفكري االجتماعي والمعماري‬
‫المادي‪ ..‬فإننا نجد أن هذه العمليات ما كانت لتنجح لوال‬
‫انضوائها تحت عنواننا الواسع والعريض "مؤشرات‬
‫ومعايير وقياس األداء للسياسات االقتصادية‬
‫واالجتماعية" والذي يدعونا بقوة لتمّلك مضامين هذا‬
‫العنوان واالشتغال بمفرداته‪ ،‬من خالل تحويلها ضمن‬
‫التخّص صات إلى ممارسات علمية عملية‪ ،‬ال االكتفاء‬
‫بتخزينها فكريًا ونظريًا ‪ ،‬وإال لن نجني منها إال الدوران‬
‫في حالة الفراغ‪ ،‬أو المسير البطيء أمام تسارع حركة‬
‫تطور الشعوب واألمم‪ .‬وبما أن المكون العلمي المعرفي‪،‬‬
‫واألداء المهاري التنفيذي العملي‪ ،‬والوجدان األخالقي‬
‫المنتمي مثلٌث ؛ أضالعه تتحول إلى أدوات فكرية‪ ،‬تسكن‬
‫أَّي رؤية مبرمجة وممنهجة‪ ،‬تعمل من أجل الوصول إلى‬
‫المستقبل‪ ،‬عبر تحقيق الحلم المنشود‪ ،‬والتصّو ر الهيكلي‬
‫لعملية اإلنجاز والتطوير‪ ،‬أو تحديث هيكلية الدولة‪ ،‬بمحاورها االجتماعية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬وبما‬
‫أَّن اإلستراتيجية فٌن يستخدم الوسائل عنوان حواريتنا هذه‪ ،‬فيقع على عاتق المشتغلين في حقول الدولة‬
‫والمسؤولين دائمًا وأبدًا عن آليات الحفاظ على جوهرها‪ ،‬ومظهرها‪ ،‬وربطهما بكافة العمليات اإلنجابية‬
‫واإلنتاجية والفكرية‪ ،‬نجد ضرورة فتح باب االمتالك العلمي لمحاورها‪ ،‬وبدون ذلك يبقى العمُل لحظيًا‬
‫مؤقتًا ‪ ،‬يخضع لظروف وعوامل المتغِّي رات المفاجئة‪ ،‬والظروف الطارئة‪ ،‬أي‪ :‬يتخّب ط‪ ،‬بكونه ال يمتلك لغة‬
‫المواكبة لحركة النمّو والتطّو ر والمحيط‪ ..‬عليه أبّي ن أن ما نتحدُث به غايُت ه األولى واألخيرة تقييُم األداء‪،‬‬
‫الذي يعِّز ز الوالء‪ ،‬وُي ظهر قوة االنتماء‪ ،‬فال والَء بال أداء‪ ،‬وال انتماَء بدونهما‪ .‬من كِّل ذلك يتضح أن ضبط‬
‫اإليقاعات على كاّف ة المحاور؛ ال يتّم إّال باالعتماد على األداء‪ ،‬المرتكز أساسًا على ثقافة البناء الوطنِّي‬
‫الحقيقي‪ ،‬الذي يتكئ على أبنائه الُخ َّلص الممتلكين حقيقة علم؛ بل علوم مقايساته المتناسقة‪ ،‬ومعاييره‬
‫الدقيقة‪ ،‬التي ستنعكس مؤكدة أن مؤشراته حقيقية‪ ،‬وغير وهمّي ة‪ ،‬رافضة تمامًا االعتماد على الوجبات‬
‫السريعة‪ ،‬والوصفات المستوردة‪ ،‬والتي تؤدي إلى االنهيارات المفاجئة‪ ،‬والهّز ات االقتصادية واالجتماعية‬
‫العنيفة‪.‬‬
‫ًا‬
‫ًا‬
‫وحينما نشرح أن هناك نظام وانتظام في دولة ما‪ ،‬أو مؤسسة تشريعية‪ ،‬أو تنفيذية‪ ،‬أو قضائية ناجٌح‬
‫ومستمٌر ومتحِّم ٌل للعواصف والظروف الطارئة؛ ندرك أن هذا النظام مصَّم ٌم بشكل تقني علمي‪ ،‬يراقب‬
‫حركته بشكل دائم من خالل المؤشرات‪ ،‬كّل في مجاله‪ ،‬والمعايير التي تنضوي تحت المؤشرات‬
‫والمقايسات؛ التي تمنح الشكل النهائي لعناصر تقييم النجاح‪ ،‬ومعنى النجاح‪ :‬أن األداء كان جيدًا ‪ ،‬ويتراوح‬
‫بين المقبول والممتاز‪ ،‬وبدونها بالتأكيد الفوضى حاصلة ال محالة‪ .‬هنا نسأل كيف نمتلك النجاح‪ ،‬ومتى‬
‫يحدث الفشل من باب "أن المسؤول األول واألخير عن كِّل ذلك هو األداء الذي يدعونا إلى منِح ِه النصيب‬
‫األوفر والدائم من االهتمام‪ ،‬عبر تعميق امتالك المعلومات وبشكل دائم‪ ،‬وتقديم الوسائط‪ ،‬بكونه جوهَر‬
‫عملياِت الحضور‪ -‬ضمن الدولة أوًال‪ ،‬وبين الدول ثانيًا ‪ -‬وبما أن األداء هو مجموعة المسؤوليات والواجبات‬
‫أ‬
‫واألنشطة‪ ،‬والمهام التي يتكون منها عمل الفرد أو المؤسسة‬
‫بمحاورها المتعددة‪ ،‬فمن الضروري تقييم نتائجه العملية من‬
‫خالل إخضاعها ألدوات مثل المعايير والمؤشرات والقياس‪.‬‬
‫وحينما ُن خضع مفهوم األداء لمعايير الكفاءة والفاعلية‪ ،‬نتوقف‬
‫عند مفهوم المعيار‪ ،‬والذي هو مؤشر كّم ي (نموذج لألداء)‬
‫يمنحنا فهم ِنَس ب ارتباط المحاور أو الوحدات‪ ،‬أو بيئة عمل أو‬
‫منَت ٍج ما ببعضها‪ ،‬والغاية تشكيل مكِّو ٍن مادٍّي ضمن شروط‬
‫ومتطلبات موضوعة ومحّد دة مسبقًا ‪.‬‬
‫في التطبيق العملي (األداء) نأخذ العينات وُن خضعها للمعايير‪،‬‬
‫نراقب اختالفاتها أو توافقيتها‪ ،‬مما يمنحنا فرص تعزيز لغة‬
‫االستمرار‪ ،‬أو ضرورة معاَيرة الواقع من جديد‪ ،‬وهذا ما يتبّي ن‬
‫لنا بعد أن نضعها على جدول المؤشرات‪ ،‬فالمؤّش ُر يختلف‬
‫تعريفه بحسب المحور المستخدم به‪ ،‬فمثًال أن يتجه إلى‬
‫معّد ل النمِّو السنوي للسكان حينما نتحدث عن بلد ما‪ ،‬وهو أي‪:‬‬
‫المؤشر الذي يدل أو يلفت النظر إلى شيء ما بدقة معينة‪،‬‬
‫فالتحوالت االقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والسياسية التي رافقت‬
‫ظهور العالم المادي الجديد بثورته الصناعية الهائلة؛ أوجدت‬
‫معها أدوات دقيقة ترافق نمّو ها اللحظي‪ ،‬بل أكثر من ذلك‪،‬‬
‫دخل حّي ز رسم سياسات المستقبل اجتماعيًة واقتصاديًة ‪،‬‬
‫وعليه نستطيع أن نتحدث عنه بأنه‪ :‬تقنية تعطي للمتحِّكمين‬
‫بإدارة محاور المجتمعات نظرًة شاملًة على عملية التطور‪ ،‬أو‬
‫التوقف للمحاكمة‪ ،‬وإعادة تقييم األداء‪ ،‬ولذلك نرى قوة‬
‫ارتباط المؤشر بالمعيار‪ ،‬وعالقته باإلدارات االحترافية القائمة من تنفيذ الشروط الدقيقة لفِّن اإلدارة‪ ،‬كما‬
‫عالقته وثيقة بآليات اإلنتاج‪ ،‬وأكثر ما يتحرك على جداول المال‪ ،‬أي أسواق البورصة واألسهم‪ ،‬وهي قادمة‬
‫في طبيعتها من عمليات اقتصادية ناجحة‪ ،‬أو متوسطة النجاح‪ ،‬أو سائرة إلى اإلفالس‪ .‬وشروُط َت وّف ر‬
‫المؤشر الجيد تتطلب وجود الخصائص التالية‪:‬‬
‫حجم العّي نة القادمة من المعيار (المسحوبة من أي محور من محاور الدولة مجتمع‪ .‬اقتصاد‪.‬‬
‫‬‫ّل‬
‫ًا‬
‫سياسة‪ .‬إدارات إنتاج) وك ما كان حجم العّي نة كبير نجح المؤشر بإخراج نتائج أدق‪.‬‬
‫ينبغي أن يعِّبر المؤشر عن الشريحة الكبرى من المجتمع‪ ،‬وأن ال تقتصر العّي نات المسحوبة منه على‬
‫‬‫ًال‬
‫شرائح محددة فقط (النخبة مث أو الشركات الكبرى)‪.‬‬
‫لنجاح المؤشر ينبغي أن تكون وحدات القياس والمعايير مناسبة‪ ،‬وبشكل أدق في سهولة تحليلها‪،‬‬
‫‬‫والتوصل منها إلى إجابات مالئمة على األسئلة المثارة‪.‬‬
‫لنطلع على بعض األفكار التي تضيء لنا مضامين سريعة عن عدد من المؤشرات العالمية التي رافقت‬
‫النهضة الصناعية الكبرى‪ ،‬مثل الداوجونز‪ ،‬الذي بدأ عمله في ‪ 3‬تموز ‪ 1884‬وُن شر في صحيفة الول ستريت‪،‬‬
‫وهو مؤشر صناعي ألكبر ثالثين شركة أميركية‪ ،‬أول شركاته كانت جنرال ألترك‪ ،‬وفي عام ‪ 2008‬أضيفت‬
‫إليه شركتا شيفرون وبنك أوف أميركا‪ ،‬وكذلك استاندر أند بورت‪ ،‬ومؤشر فاليو الين‪ ،‬وكذلك مؤشر‬
‫فاينانشال تايمز لألوراق المالية (‪ ،)FTSE‬والمتخصص في بورصة لندن وهو مكون من مئة شركة من‬
‫شركات بلوشب ومؤشر النيكاي‪ ،‬والكثير منها‪.‬‬
‫إن فهمنا لمضمون عنواننا الواسع والعريض يدعونا إلجراء عمليات القياس عليها‪ ،‬والذي يقّد م بدوره أدوات‬
‫التحليل األساسية ومنهجية العمل‪ ،‬والقيم الفعلية المستفادة من إجرائها‪ ،‬بكونه‪ :‬أي المقياس‪ ،‬يسعى‬
‫لتنمية المدارك المتصلة بالبناء االقتصادي الشامل‪ ،‬والظروف االجتماعية وأبعادها على مستوى التحليل‬
‫والمعرفة‪ ،‬ولنحاول من هذا التعريف أن نقيس المنفعة الحاصلة لكِّل من يقرأ يحثنا هذا‪.‬‬
‫ال شك‪ ،‬إن أَّي عملية قياس لألداء‪ ،‬نعتبرها عملية أساسية ضمن محاور ُن ظم إدارة العمليات‪ ،‬كاتخاذ القرار‬
‫واختيار فرق العمل‪ ،‬ورسم خطط اإلنتاج‪ ،‬والغاية من الوصول إلى األهداف‪ ،‬لذلك نجد أن هناك عالقة‬
‫قوية بين التخطيط والتطبيق‪ ،‬استنادًا إلى نتائج المقاييس؛ التي ُت عتبر المسار الحقيقي لمدى القدرة على‬
‫تحقيق القرب أو البعد من هدف معّي ن من األهداف‪.‬‬
‫إن تحقيق الروابط بين أدوات البحث‪ ،‬وامتالك األبعاد العلمية‪ ،‬والمعرفية‪ ،‬والفهمية لضرورات وجودها بين‬
‫محاور الكيانات السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وإدخالها أوًال ضمن كِّل محور‪ ،‬ومن ثَّم ربطها ببعضها‬
‫يؤّد ي إلى نجاح الدولة‪ ،‬وإن الحصول على النجاح ال يلغي هذه العناوين؛ إنما يعزز حضورها والتعّلق بها‬
‫أ‬
‫أ‬
‫أ‬
‫أكثر فأكثر‪ ،‬من أجل ديمومة المسير إلى األمام‪ ،‬والصعود إلى األعلى‪ ،‬وإن االستفادة الحقيقية من تجارب‬
‫العالم االقتصادي األول‪ ،‬والسياسي األول‪ ،‬واالجتماعي األول‪ ،‬يفيد مجتمعاتنا حينما نسعى لالستفادة من‬
‫المفيد منه‪ ،‬أي إن تجارب اآلخرين قد ال تعني بالضرورة تطابقها الكّلي مع حيثيات وظروف نشأة وواقع‬
‫مجتمعاتنا‪ ،‬مما يدعونا إلى تطوير األداء وتعزيزه إيجابيًا ‪ ،‬من خالل امتالك اللغة العلمية على اختالف‬
‫تخصصاتها‪ ،‬وفهم مقتضيات التخّص ص‪ ،‬وربطه بحاجات المجتمع الحقيقية والضرورية من باب "برمجة‬
‫األولويات"‪.‬‬
‫ًا‬
‫ًا‬
‫أيضًا أشرح‪ :‬إن غياب الرؤية لمشروع أِّي مؤسسة وعدم امتالكها ضمن خطط تفصيلية منارة ومعتمدة‬
‫على أدوات ومفاهيم راسخة‪ ،‬تراقب وتقيس عملها وحركته وأفراده؛ تؤّد ي إلى عملية غير ناجحة أو‬
‫عشوائية‪.‬‬
‫حتى اللحظة لم نشهد في محاورنا السورية تطبيقات حقيقية وعملية‪ ،‬لنظم المعايير والمقايسات‬
‫والمؤشرات‪ ،‬على الرغم من امتالك الكثيرين من كوادرنا العلمية لمفاهيمها وعلومها‪ ،‬حيث بقيت المحاوالت‬
‫خجولة‪ ،‬فمثًال‪ :‬كم من جهة من جهاتنا اإلنتاجية امتلكت نظام مقايسات اآليزو‪ ،‬والبورصة السورية مازالت‬
‫مؤشراتها تحبو بطيئة‪ ،‬ومقايسات ومؤشرات مؤسساتنا العامة تعتمد على نظام الدولة‪ ،‬ولم تعتد االعتماد‬
‫على ذاتها‪ ،‬والقطاع الخاص وإسهاماته النوعية إنما بقي حاالت فردية لم تحِّو ل الظاهرة أو الطفرة إلى‬
‫منهج ممنهج‪ ،‬لذلك إن حاولنا وضع مؤّش ر يستند إلى المعايير والمقايسات‪ ،‬نجد صعوبة لدى محاوالتنا‬
‫لقراءته‪ ..‬مّم ا تقّد م نصل إلى أن االعتماد على الخبرات الخارجية مازال مظهرًا ‪ -‬ليس من مظاهر وطننا‬
‫فقط‪ -‬وإنما في العالم النامي برَّم ته‪.‬‬
‫د‪.‬نبيل طعمة‬
‫جميع الحقوق محفوظة ل موقع الباحثون ‪2022‬‬
Téléchargement