Telechargé par creepymr

نضرية الثقافية

publicité
‫مقدمة‬
‫ملخص‬
‫يقصد بالثقافويّة التيّار الفكري الذي ظهر في الواليات المتّحدة األمريكيّة في ثالثينيات القرن العشرين وض ّم عددا ً من تالمذة فرانز‬
‫بواس (‪ )1942-1858‬من أبرزهم إدوار سابير (‪ )1939-1884‬وروث بنديت (‪ )1948-1887‬ومرغريت ميد (‪،)1978-1901‬‬
‫‪ (1891-1981)...‬فضالً عن باحثين آخرين أمثال رالف لنتون (‪ )1953-1893‬وأبرام كاردينر‬
‫وترتكز المقاربة الثقافويّة على تقسيم العالم "إلى مساحات ثقافيّة أو ثقافات محلّيّة تؤلّف أنظمة مغلقة نسبيّاً‪ ،‬وتمتاز بتماسكها الخاص"‬
‫‪(.‬دورتيه‪ ،2011 ،‬ص ‪ .)300‬ومن هنا مفهوم "السّمة القوميّة" الذي وضعته روث بنديكت وطبّقته على الثقافة اليابانيّة‬
‫ويربط الثقافويّون بين الثقافة وعلم النفس في دراسة الشخصيّة‪ ،‬إذ يعتبرون ّ‬
‫أن الثقافة والتربية قادرتان على أن "تجعال من الشخصيّة‬
‫تتكون بمقتضاها في الطفولة شخصيّة أساسيّة (أو‬
‫ّة‬
‫نمطا ً متميّزاً" (دورتيه‪ ،2011 ،‬ص ‪ .)300‬وقد اقترح لنتونوكاردينر "نظري‬
‫ّ‬
‫تعرف كمجمل سمات نمطيّة تؤلّف الطابع اإلثني أو الوطني" (أورتيغز‪ ،2006 ،‬ص ‪ ،)431‬معتمِ َديْن في ذلك على مفهومي‬
‫شكليّة) ّ‬
‫‪"".‬الشخصيّة القاعديّة" و"شخصيّة المجموعة" مميّزَ يْن بين مفاهيم "النموذج" و"الوضعيّة" و"الدور‬
‫و"في اصطالح أوسع‪ ،‬تستعمل كلمة "ثقافويّة" لتبيان مقابلة بين تيارين فكريّين في تاريخ األنتروبولوجيا‪ :‬األنثروبولوجيا األمريكيّة‬
‫التي تندرج في تراث علوم الثقافة السائدة في ألمانيا القرن التاسع عشر‪ ،‬واألنثروبولوجيا االجتماعيّة اإلنجليزيّة التي تقترب أكثر من‬
‫علم االجتماع بأصولها‪ ،‬وتعتبر ّ‬
‫أن تحليل البنى االجتماعيّة هو الشرط المسبق للتركيز على دراسة المشاكل الثقافيّة في مختلف‬
‫‪.‬أبعادها‪ :‬األلسنيّة‪ ،‬والتقنيّة‪ ،‬والسيكولوجيّة‪ ،‬والتاريخيّة" (أورتيغز‪ ،2006 ،‬ص ‪)431‬‬
‫تعريف الثقافوية‬
‫نظرية المثاقفة والثقافوية‬
‫نشأت نظرية المثاقفة عن بعض التساؤالت التي طرحتها الثقافوية األميركية‪.‬أحيانا ً يتركز التحليل كثيرا ً على بعض "السمات "الثقافية‬
‫المعزولة ويبدو أنه ينسى‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬ما وضعه أنثروبولوجيو مدرسة"الثقافة والشخصية" أي أن الثقافة هي كل متكامل‪ ،‬أي‬
‫منظومة‪.‬ألن الثقافة هي وحدة منظمة ومهيكلة ترتبط العناصر فيها ببعضها بعض‪ ،‬وأنه من المهم‪ ،‬كما تتمنى بعض االتجاهات‬
‫اإلنسانية‪ ،‬الزعم باختيار المظاهر التي يفترض أن تكون "إيجابية" في ثقافة معينة لتركيبها مع مظاهر "إيجابية" لثقافة أخرى بهدف‬
‫التوصل إلى منظومة ثقافية "أفضل" ‪.‬وبمعزل عن أحكام القيمة التي تطرح سلسلة من القضايا و التي ينطوي عليها هذا االقتراح‪،‬‬
‫‪.‬فإنه يبدو‪ ،‬بكل بساطة‪ ،‬غير قابل للتحقق‬
‫‪ survivance‬من جانب آخر‪ ،‬هناك تركيز كبير من قبل بعض المؤلفين بمن فيهم هيرسكوفيتش‪ ،‬على ما يسمونه ب"البقاء" الثقافي‬
‫أي عناصر الثقافة القديمة التي حافظت على نفسها كما هي في الثقافة الملفقة‪ ،‬يمكن أن تؤدي إلى نوع من طبعنة ‪culturelle‬‬
‫الثقافة وذلك بعد جهد جهيد للبرهنة بأي ثمن على استمرارية الثقافة على الرغم من التغيرات الظاهرية‪.‬والواقع أن ‪naturalisation‬‬
‫الثقافة تبدو‪ ،‬عندئذ‪ ،‬مفهومة على أنها "طبيعة ثانية" بالنسبة للفرد –غالبا ً ما استخدم هذا المصطلح –يمكنه التخلص من طبيعته‬
‫البيولوجية‪.‬وانصب اهتمام الدراسات الالحقة المتعلقة بالمثاقفة على توزيع هذا التماثل بشكل نسبي بين الثقافة والطبيعة وإبراز أهمية‬
‫‪.‬ظواهر االنقطاع في عملية المثاقفة‬
‫وفضالً عن هذا‪ ،‬فإن بعض الدراسات األنثروبولوجية المتعلقة بهاتين العمليتين تقع على النقيض مما يسميه باستيد ب" االتجاه‬
‫النفساني"‪.‬وقد أصاب األنثروبولوجيون في تشديدهم على كون أن األفراد هم الذين يحت ّكون ويتصلون ببعضهم بعض وليس‬
‫الثقافات‪.‬والواقع أنّه ال ينبغي علينا تشييء الثقافة ألنها ليست أكثر من مجردات‪.‬لكن هؤالء األفراد‪ ،‬ينتمون إلى مجموعات اجتماعية‬
‫مستقلة استقالالً شديداً‪.‬وبالتالي ال يمكننا فهم مقتضيا تهم في عملية المثاقفة بالرجوع إلى علم النفس الفردي فقط‪ ،.‬إذ ال بد أيضا ً من‬
‫أخذ الضغوط االجتماعية التي يرزحون تحت وطأتها بعين االعتبار ‪.‬وإذا أردنا االكتفاء‪ ،‬مهما كلف ذلك‪ ،‬بتحليل عبارات الشخصية‪،‬‬
‫‪.‬فعلينا أال ننسى السياق االجتماعي والتاريخي الذي يؤثر على الشخصيات المفردة[باستيد‪ ،1960 ،‬ص ‪]318‬‬
‫إن تحليالت لينتون وكاردينر حول الشخصية األساسية تسمح بتجاوز التوجع النفسي األكثر اختزاالً والذي كان يكتفي بدراسة األسس‬
‫النفسية للوقائع الثقافية‪.‬وجاهد إيرفينغ هالويل‪ ،‬بعد أن وضع نفسه ضمن رؤية المؤلفين السابقين‪ ،‬من أجل توضيح أن تغيرات‬
‫الشخصية خالل الجيلين األول والثاني لألفراد الموجودين في حالة تثاقف‪( ،‬هذه التغيرات)تبقى سطحية؛وال يصيب التغيّر الشخصية‬
‫‪[1952].‬األساسية إال في الجيل الثالث‬
‫‪:‬روجيه باستيد واألطر االجتماعية للمثاقفة‬
‫في فرنسا‪ ،‬ال يمكن لمهتم بظواهر المثاقفة إال الرجوع بشكل أو بآخر إلى روجيه باستيد(‪ )1974-1898‬الباحث في الثقافة‬
‫األفرو_أميركية وأألستاذ في جامعة السوربون‪.‬وهو الذي كان‪ ،‬إلى حد كبير‪ ،‬وراء التعريف باألنثروبولوجيا األميركية المتعلقة‬
‫بالمثاقفة‪ ،‬كما كان وراء تحقيق االعتراف بميدان هذا البحث كمجال أساسي من ذلك الفرع المعرفي‪.‬وفي الوقت الذي يشير فيه باستيد‬
‫‪.‬إلى فضائل الرواد األميركيين إال أنه يجهد في عدد كبير من أعماله‪ ،‬من أجل تجديد دراسة المثاقفة‬
‫ربط االجتماعي بالثقافي‬
‫بما أن باستيد درس علم االجتماع واألنثروبولوجيا فقد انطلق من فكرة أنه ال يمكن دراسة الثقافي بمعزل عن (الوضع)‬
‫االجتماعي‪.‬وهو يرى أن النقص الكبير في الثقافوية األميركية حول الدراسات المتعلقة بالمثاقفة يكمن في غياب الربط بين الثقافي‬
‫واالجتماعي[‪ ،1960‬ص‪.]317‬في الثقافوية‪ ،‬يكمن خطر اختزال الوقائع االجتماعية إلى وقائع ثقافية(وبالعكس‪ ،‬يمكن القول أن في ما‬
‫يمكن تسميته ب"التوجه االجتماعي"يكمن خطر اختزال الوقائع الثقافية إلى وقائع اجتماعية)‪.‬وبالتالي علينا دراسة العالقات الثقافية في‬
‫داخل مختلف أطر العالقات االجتماعية التي يمكن أن تعطي األولوية لعالقات االندماج والمنافسة والصراع الخ‪. ،‬وعلينا أن نعيد‬
‫‪.‬في إطار التنظيم أو عدم التنظيم االجتماعي‪ assimilation‬وضع حقائق التلفيق والمزج الثقافي أي التمثّل‬
‫ويأسف باستيد ألن الثقافوية تشكو من الخلط بين مختلف مستويات الواقع وبين الجهل بالجدل المتناوب الذي يبدأ بالبنى الفوقية وينتهي‬
‫بالبنى التحتية ‪.‬على الرغم من أن هذا الجدل هو الذي يسمح بتفسير ظاهرة التفاعل المتسلسل المعروفة جيدا ً في عملية المثاقفة‪.‬إن أي‬
‫‪.‬تغير ثقافي ينتج آثارا ً ثانوية غير متوقعة وال يمكن تجنبها حتى لو لم تكن متزامنة‬
‫ونسوق هنا مثاالً واحداً‪.‬إن دخول المال مع االستعمار إلى المجتمعات التقليدية األفريقية لم يؤد إلى تغيير المنظومات االقتصادية‬
‫القائمة على التبادلية(عطاء‪/‬عطاء مقابل) فحسب‪ ،‬وإعادة التوزيع‪ .‬وتسبب هذا االستعمار ببلبلة أصابت جوانب أخرى ال سيما في‬
‫منظومة المبادالت الزواجية‪ .‬فللحصول على زوجة تقول القاعدة المعتادة أنه ينبغي تسليم عائلة الخطيبة تعويضا ً زواجيا ً (بعض‬
‫رؤوس الماشية مثالً في بعض المجتمعات) وذلك وفقا ً للمنطق القاضي بتقديم عطاء مقابل العطاء‪ .‬ألن المال حينما يسيطر على‬
‫العطاء المقابل العيني فهو يغير بنية التبادل بشكل عميق‪ :‬جمع المبلغ الالزم لدفع" ثمن الخطيبة" لم يعد يتطلب تعاون جماعة األقارب‬
‫كلها (خالفا ً لما يحدث عند تشكيل القطيع)وبالتالي أصبح الزواج قضية فردية واتخذ‪ ،‬بالتدريج‪ ،‬شكل مساومة اقتصادية فقط وليس‬
‫مساومة كانت اجتماعية باألساس(تقليدياً‪ ،‬كانت أولى غايات التبادل الزواجي هي التحالف بين مجموعتين من األقرباء)‪.‬في بعض‬
‫الحاالت فإن الزوجات اللواتي يقمن بجمع المال بأنفسهن من خالل ممارستهن التجارة أو العمل اليدوي‪ ،‬يمكنهن ترك أزواجهن بيسر‬
‫أكبر ألنهن أصبحن قادرات على رد التعويض الزواجي‪.‬وبالتالي ازدادت حاالت االنفصال (بينما كانت إحدى وظائف التعويض‬
‫الزواجي التقليدي هي تأمين استقرار الزواج)‪.‬وحينما وجد المبشرون أنفسهم إزاء ما كانوا يعتبرونه إساءة مزدوجة لمبادئ األخالق‬
‫("شراء الزوجة" و"عدم االستقرار الزوجي") حاولوا إلغاء عرف التعويض الزواجي‪.‬لكن النتيجة خالفت توقعاتهم‪ :‬فمن جهة‪ ،‬كان‬
‫األزواج يعتبرون أنفسهم شبه متزوجين‪ ،‬ومن جهة ثانية‪ ،‬فقد سهل على الزوجات المتحررات من واجب إعادة التعويض‪ ،‬الحصول‬
‫‪.‬على الطالق وتغيير الشريك باستمرار‬
‫إن وقائع المثاقفة تشكل "ظاهرة اجتماعية شاملة" على حد قول مارسيل ماوس‪ ،‬ويتبناه روجيه باستيد أيضاً‪.‬فهذه الوقائع تالمس‬
‫مستويات الواقع االجتماعي والثقافي كله‪.‬لذا‪ ،‬فال يمكن تحديد التغير الثقافي بشكل مسبق وال بشكل أفقي في داخل المستوى الواحد‪،‬‬
‫وال بشكل عمودي بين محتلف المستويات‪.‬وهذا ما يفسر بعض أوهام المبشرين في الماضي‪ ،‬الذين لم يكونوا يتمنون سوى مثاقفة‬
‫جزئية للسكان األصليين أو عمالء التطوير االقتصادي اليوم‪ ،‬فمثالً‪ ،‬تشجيع نقل التقنيات المسماة ب"الناعمة أو الخفيفة" بهدف‬
‫احترام" ثقافة بلد متخلف يمكن أن تكون له‪ ،‬عند حد معين‪ ،‬آثار هدامة كاآلثار التي يتركها نقل التقنيات "الثقيلة" المفترض أنها أشد‬
‫‪.‬فتكا ً‪ ،‬ألن السلسلة الفاعلة التقليدية كلها قابلة للتغلب في األحوال كلها ويتبعها تغير العالقات االجتماعية المرتبطة بها‬
‫تعريف اخر‬
‫من المعتقَد أن أول باحث حاول التأسيس منظوميًّا لنظرية عامة للثقافة هو عالِم األنثروبولوجيا الثقافية األمريكي المشهور ِلسْلي وايت‬
‫‪ ،‬مس ِ ّميًا نظريت َه هذه ْ‬
‫ت منظومية وعلمية أرصن وأدق بالمقارنة مع )‪Lesley White (1900–1975‬‬
‫"علم الثقافة"‪ ،‬لتأخذ دالال ٍ‬
‫معاني هذه الكلمة التي استُعمِ لَتْ اصطالحيًّا منذ بدايات القرن التاسع عشر‪ .‬وازدادت شعبية وايت في الواليات المتحدة األمريكية‬
‫التطورية في األنثروبولوجيا األمريكية؛ إذ إنه كان ال ُمدافع‬
‫بشدة في خمسينات وستينات القرن العشرين مع ا ْنبعاث وجهة النظر‬
‫ُّ‬
‫الوحيد عن النظرية التطورية في علم الثقافة األمريكي‪ ،‬وفي األنثروبولوجيا ذاتِها‪ ،‬التي غلبت عليها ِسماتُ المثالية والنِّسْبوية‬
‫قاربة "الحتمية–التكنولوجية" ذات اآلفاق ‪relativism‬‬
‫األمريكية ومواصفاتها‪ ،‬في حين استخدم وايت حينئ ٍذ لدراسة الثقافة ال ُم َ‬
‫‪.‬األرحب‪ ،‬ساعيًا إلى تأسيس طابع موضوعي للمعارف حول الثقافة‬
‫وقد حملت كتُب ل‪ .‬وايت عناوين مثل‪ :‬علم الثقافة[‪ ،]1‬نيويورك‪1949 ،‬؛ ومقاالت في علم الثقافة‪ ،‬نيويورك‪1960 ،‬؛ و"علم الثقافة"‬
‫في موسوعة العلوم االجتماعية‪ .1968 ،‬كما استخدم وايت في عناوين كتبِه أيضًا تعبير ‪ Culturology‬بصيغة إنكليزية أخرى‬
‫وبارسو ْنز في سياق الحديث عن "مفهوم الثقافة‬
‫سبَقَ أن استخدمه كروبر‬
‫ْ‬
‫مفهوم المنظومات الثقافية[‪ ،]2‬نيويورك‪ .1975 ،‬وهو تعبير َ‬
‫(دو ِرية علم االجتماع األمريكية‪ )1958 ،‬بالصيغة القريبة التالية‬
‫‪: The Concept of Culture.‬والمنظومة االجتماعية" ْ‬
‫ِيرز في كتابهما بهذا العنوان[‪ ،]3‬نيوجرسي‪1972 ،‬؛‬
‫وثمة آخرون تحدثوا عن "نظرية الثقافة" على طريقتهم‪ ،‬مثل د‪ .‬كابْالن ور‪ .‬مانّ ْ‬
‫ش في كتاب حول تحليل نظرية الثقافة‪ :‬نظرية الثقافة ودينامياتها‪1977 ،‬؛ هذا إضافة إلى كتاب سابق ألَّفه أ‪.‬‬
‫فير ْ‬
‫وكذلك لدى إي‪ْ .‬‬
‫مير ْ‬
‫كروبر وس‪ْ .‬كلوتْشون منذ العام ‪ 1952‬ونُشِر في كمبردج بعنوان الثقافة‪ :‬مراجعة انتقادية لمفاهيمها[‪ ]4‬وتعريفاتها‪ .‬وقبل ذلك بما‬
‫‪.‬قد أصدر كتابًا حول النظرية العلمية للثقافة[‪ ]5‬في العام ‪ B.A. Malinowski 1944‬يقرب من العقد زمنيًّا كان ب‪.‬أ‪ .‬مالينوفسكي‬
‫هاريس‬
‫في كتابه ‪ M. Harris‬من جهة أخرى‪ ،‬ثمة آخرون تحدثوا عن "علم الثقافة" وضروراتِه و"النضال" من أجله‪ ،‬كما فعل م‪ّ ِ .‬‬
‫]‪.[6‬المادية الثقافية‪ :‬النضال من أجل ْ‬
‫علم الثقافة‪ ،‬نيويورك‪1979 ،‬‬
‫كثير من الكتب واألعمال المختصة بـ"نظرية الثقافة"‪ ،‬والسيما أعمال‬
‫وفي األدبيات والمرجعيات "السوفييتية" والروسية أيضًا‬
‫ٌ‬
‫كاريان‪ ،‬مثل مالمح نظرية الثقافة‪ ،‬يِريفان‪1969 ،‬؛ وكذلك نظرية الثقافة والعلم المعاصر‪ :‬تحليل منطقي–منهجي‪،‬‬
‫مار ْ‬
‫أي‪.‬س‪ْ .‬‬
‫والمقاربة الثقافوية (أو‬
‫موسكو‪ ،‬دار "الفكر"‪ .1983 ،‬هذا إضافة إلى أعمال "سوفييتية"–روسية مختلفة حول مفهوم التراث الثقافي‪،‬‬
‫َ‬
‫ريككرت منذ بدايات القرن العشرين؛‬
‫علم الثقافية) لدراسة المجتمع‪ ،‬وتصنيف الثقافة‪ ،‬ومب ّك ًِرا علم الثقافة (أو المدخل إلى الثقافة) [غ‪.‬‬
‫ْ‬
‫‪.‬وله أيضًا‪ :‬علوم الثقافة]؛ وثمة المشكالت الفلسفية للثقافة‪ ،‬والعلم كأحد مظاهر الثقافة‪ ،‬إلخ في الفترة المعاصرة‬
‫ومكونات الثقافة ك ِ ّم ًّيا‬
‫إن مفاهيم الثقافة وتعريفاتها عديدة جدًّا‪ ،‬والسيما حين نغرق في التعريفات المولَعة بالتعداد وذ ْكر عناصر‬
‫ِّ‬
‫وحسابيًّا‪ .‬لذا فإننا سنهتم هنا أكثر بالتعريفات والمفاهيم المنهجية والمنظومية‪ ،‬التي تميل إلى التقاط الكيف والنوع في التصنيف‪،‬‬
‫والمكونات التي ال يجوز إبقاؤُها‬
‫وترسم صورة الوحدة والتركيب والتفاعل والتكامل للثقافة ككل‪ ،‬على الرغم من تعدُّد العناصر‬
‫ِّ‬
‫‪.‬مف َّككةً‬
‫مقسَّمة إلى مجموعة من ‪" system‬كان وايت من أوائل الذين تناولوا الثقافة منظوميًّا بالتعريف‪ ،‬بمعنى أنها تش ّكِل "منظومة‬
‫(أو منظومات دنيا)‪ ،‬قسَّمها كما يلي منذ أواسط القرن العشرين (في كتاب علم الثقافة‪ ،‬نيويورك‪"" subsystems ،‬منظومات تحتية‬
‫‪)1949:‬‬
‫المنظومة التحتية التكنولوجية؛ ‪1.‬‬
‫المنظومة التحتية االجتماعية؛ ‪2.‬‬
‫المنظومة التحتية اإليديولوجية؛ و ‪3.‬‬
‫المنظومة التحتية السلوكية (وهذه األخيرة أُضيفت إلى منظومة "الثقافة" الحقًا في أحد أعمال وايت حول تطور الثقافة‪،‬‬
‫‪.‬نيويورك‪)1959 ،‬‬
‫‪4.‬‬
‫فماذا عنى وايت بـ"المنظومات التحتية" الثقافية المذكورة آنفًا؟‬
‫سِمة ماديًّا ومن تقنية استخدامها‪ ،‬التي بفضلها يجري ‪1.‬‬
‫تتكون المنظومة التحتية التكنولوجية من األدوات أو التجهيزات المتج ّ‬
‫َّ‬
‫سبُل المعيشة‪ ،‬ومواد بناء‬
‫تفاعُل األفراد والجماعات البشرية مع الوسط الطبيعي (وقد أدخل وايت في هذا الباب‪ :‬أدوات اإلنتاج‪ ،‬و ُ‬
‫‪.‬المساكن‪ ،‬ووسائل الهجوم والدفاع)‬
‫تتضمن المنظومة التحتية االجتماعية العالقات بين الناس‪ ،‬وما يقابلها من أنماط السلوك (وهذا يشمل منظومات القَرابة‪،‬‬
‫‪.‬والمنظومات االقتصادية والسياسية واألخالقية والحربية والمهنية)‬
‫‪2.‬‬
‫المكونة من األفكار والمعتقدات والمعارف‪ ،‬التي يجري التعبير عنها بمساعدة الحديث (الكالم)‬
‫المنظومة التحتية اإليديولوجية‬
‫َّ‬
‫‪.‬واألشكال الرمزية األخرى؛ وهي تض ُّم أيضًا الخرافة والدين واألدب والفلسفة والعلم والحكمة الشعبية‬
‫‪3.‬‬
‫يعول وايت األهمية ذاتها على المنظومات التحتية المذكورة‪ ،‬بل يعتبر التكنولوجيا حاسمةً ورئيسةً في تطور الثقافة وقيامها‬
‫وال ّ ِ‬
‫‪.‬بوظائفها‬
‫في أعمال ماركس المب ّكِرة نسبيًّا (المخطوطات االقتصادية‪ )1859-1857 ،‬تعريف للثقافة بأنها‪ :‬كل ما ابتدعه (خلَّقه) اإلنسان‪ :‬إنها‬
‫عالم اإلنسان‪ ،‬أو "الطبيعة الثانية"‪ .‬كما قام بعضهم بمحاذاة مفهوم الثقافة مع مقولة النشاط (أو الممارسة)‪ .‬وقد ميَّز م‪.‬س‪ .‬كاغان في‬
‫خصوص هذه المقولة بين‪ :‬موضوع‪ ،‬وذات‪ ،‬ونتائج‪ ،‬وأساليب النشاط (أو الممارسة) (كاغان‪ ،‬النشاط البشري‪ ،‬موسكو‪ .)1974 ،‬وقد‬
‫َّ‬
‫ووظفتْه لتعريف الثقافة بحسب هذه المنهجية "النشاطية"‪ ،‬من حيث موضوعاتها وذاتها‬
‫استفادت من ذلك منهجيًّا يي‪.‬م‪ .‬كورجيفا‬
‫(ذواتها) الفاعلة ونتائجها‪ ،‬إلخ‪ .‬وقد أتى هذا التعريف في مقالة لها بعنوان "مهمات دراسة مشكالت الثقافة ومعاييرها"‪ ،‬ص ‪،)69-62‬‬
‫نُش َِر ضمن مجموعة مقاالت من إصدار "معهد الدراسات المنظومية العلمي–البحثي االتحادي–العام" في موسكو‪ ،‬تحمل الرقم ‪ 6‬للعام‬
‫‪ ،1979‬بعنوان الجوانب السوسيولوجية للنمذجة العولمية (الكوكبية)‪ .‬وهكذا جاء تعريف كورجيفا للثقافة كما يلي‪ :‬الثقافة هي‬
‫مجموعة النتائج‪ ،‬بل واألهم من ذلك‪ ،‬مجموعة ُ أساليب الممارسة‪ ،‬التي يمكن أن تكون ذواتُها الفاعلة‪ ،‬قبل ك ِّل شيء‪ ،‬المجتمع‪ ،‬ثم‬
‫‪.‬المجموعات االجتماعية‪ ،‬ثم األفراد‬
‫صل؟ والسؤال الثاني هام‪ ،‬لما فيه من فكرة تُعبِّر عن انتظامية‬
‫وبهذا تجيب الثقافة عن سؤالين‪" :‬ما هي" نتيجة الممارسة؟ و"كيف" تُح َّ‬
‫‪(.‬تنظيمية) الممارسة وبِنائيَّتِها‪ ،‬بحيث تتحول في المحصلة إلى ممارسة منظومية‬
‫ويمكن أن تتميَّز الثقافات – وهي تتميز فعالً – بمحتواها التكويني‪ .‬غير أنها تتميز أيضًا‪ ،‬بدرج ٍة أكبر‪ ،‬بأساليب تنظيم عناصرها‪،‬‬
‫‪".‬وبوسائل تحتيم (أي قَ ْن َونَة) السلوك البشري وضبطه‪ .‬ومن المعروف تقسيم الثقافة تقليديًّا إلى "مادية" و"روحية‬
‫د‪ .‬نبيل علي‪ ،‬في كتاب بعنوان الثقافة العربية وعصر المعلومات‪ ،‬سلسلة "عالم المعرفة" ‪ ،265‬يناير ‪ ،2001‬الكويت‪ ،‬يُدلي بدالئِه‬
‫في التعريج على الطرح العام لتعريفات الثقافة‪ْ ،‬‬
‫فيلحظ تعدُّد أوصاف الثقافة في تعريفات زادت على ‪ 150‬تعريفًا‪ ،‬تؤ ّكِد في مجملها أن‬
‫الثقافة تجمع بين كونها منت ًجا وإنتا ًجا‪ .‬ولم يتم َّكن الكاتب من استعراض هذا الك ِ ّم الكبير من التعريفات (وقد تكون تلك عملية غير‬
‫‪:‬مجدية تما ًما أيضًا)‪ ،‬لذا اكتفى بتصنيفٍ مو َجز لها‪ .‬وهكذا بدت المقوالت الثقافية كما يلي باختصار‪ ،‬نذكر هنا األه َّم فيها‬
‫‪.‬الثقافة كـمقولة اجتماعية‪ :‬قوامها القيم والمعتقدات والمعارف والفنون والعادات والممارسات االجتماعية واألنماط المعيشية إلخ ‪1.‬‬
‫تعرف الثقافة في إطارها بصفتها المنظار الذي يرى الفرد من خالله ذاته ومجتمعه‪ ،‬وبصفتها‪ ،‬أيضًا‪،‬‬
‫الثقافة كـإيديولوجيا‪َّ :‬‬
‫‪.‬معيار الحكم على األمور أيضًا‬
‫‪2.‬‬
‫‪.‬الثقافة بوصفها انتماء‪ :‬تُع ِبّر عن التراث والهوية والشعور القومي وطابع الحياة اليومية للجماعة الثقافية إلخ ‪3.‬‬
‫صالً‪ :‬من خالل نَ ْقل أنماط العالقات والمعاني والخبرات بين األجيال ‪4.‬‬
‫‪.‬الثقافة بوصفها توا ُ‬
‫‪.‬الثقافة بصفتِها دافعًا‪ :‬على االبتكار واإلبداع والنضال ض َّد القهر والتص ّدِي لصنوف الظلم إلخ ‪5.‬‬
‫‪.‬الثقافة بوصفها حصادًا متجددًا‪ :‬يتم استهالكه وإعادة إنتاجه والتفاعل معه وإدماجه في مسار الحياة اليومية ‪6.‬‬
‫وكما نالحظ من هذا التصنيف للتصنيفات أو تنظيم و َجد َْولَة التعريفات ذاتها نسقيًّا‪ ،‬فإن مفهوم الثقافة واسع شاسع كفايةً؛ لكن جهو ًدا‬
‫‪.‬تركيبية كهذه تُهيِّئ وتساعد على التعامل مع الثقافة كمنظومة وعلى فهمها وممارستها منظوميًّا‬
‫قائمة الملراجع‬
‫أورتيغز‪ ،‬إ‪ .)2006( .‬ثقافويّة‪ .‬ضمن معجم األثنولوجيا واألنثروبولوجيا‪( .‬مصباح الصمد‪ ،‬مترجم)‪( .‬ط‪ .)1.‬بيروت‪ -‬لبنان‪- :‬‬
‫‪".‬المؤسّسة الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع "مجد‬
‫بودون‪ ،‬ر‪.‬وبوريكو‪ ،‬ف‪ .)2007( .‬المعجم النقدي لعلم االجتماع‪( .‬ط‪ .)2.‬بيروت‪ -‬لبنان‪ :‬مجد المؤسسة الجامعيّة للدراسات والنشر ‪-‬‬
‫والتوزيع‪ .‬ص ص ‪235-228‬‬
‫دورتيه‪ ،‬ج‪.‬ف‪ .)2011( .‬معجم العلوم اإلنسانيّة‪( .‬جورج كتورة‪ ،‬مترجم)‪( .‬ط‪ .)2.‬أبو ظبي‪ -‬اإلمارات العربيّة المتّحدة‪ ،‬بيروت‪- -‬‬
‫‪.‬لبنان‪ :‬كلمة ومجد المؤسسة الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع‬
Téléchargement