Telechargé par FOUAD AARAB

النظرية الانقسامية

publicité
‫ﺑﺤﺚ ﻋـﺎم‬
‫ﻗﺴﻢ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ واﻟﻌﻠﻮم ا�ﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‬
‫‪ 24‬أﺑﺮﻳﻞ ‪2017‬‬
‫النظرية االنقسامية‪:‬‬
‫األصول والمفاهيم‬
‫يونس الغاب‬
‫باحث مغربي‬
‫ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ © ‪2017‬‬
‫‪All rights reserved © 2017‬‬
‫امللخص التنفيذي‬
‫يعالج هذا البحث واحدة من النظريات األنثروبولوجية التي ّ‬
‫شكلت في مرحلة معينة المفتاح الرئيس لفهم‬
‫مجتمعات ما قبل الرأسمالية‪ ،‬من خالل نحتها لمجموعة من المفاهيم التي تشكلت نتيجة السجال الذي وسم‬
‫الوضع الفكري بأوروبا خالل النصف الثاني من القرن التاسع عشر‪ ،‬خاصة مع عالم االجتماع الفرنسي‬
‫إميل دوركايم‪ ،‬الذي ساهم في إخراج المفاهيم المميزة للمجتمعات البسيطة أو االنقسامية مستنبطاً إيّاها من‬
‫األبحاث اإلثنوغرافية المنجزة حول الجزائر وأمريكا خالل القرن التاسع عشر‪ .‬غير ّ‬
‫أن الدراسات التي‬
‫قام بها أو التي أشرف عليها الباحث البريطاني إيفانس بريتشارد خاصة حول قبائل النوير السودانية‪ُ ،‬تع ّد‬
‫يخص مفاهيم‬
‫األساس الذي قامت عليه النظرية االنقسامية بعد ذلك‪ ،‬نظراً لإلضافات التي ق ّدمها في ما‬
‫ّ‬
‫االنصهار واالنشطار والتحكيم‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪www.mominoun.com‬‬
‫تقديم‬
‫انطلقت النظرية االنقسامية من إشكالية مركزية عبّر عنها إرنست غيلنر ‪ Ernest Gellner‬بشكل‬
‫ّ‬
‫الحل القبلي منتشراً على الشواطئ الجنوبية الشرقية من المتوسط‪،‬‬
‫واضح من خالل هذا التساؤل‪« :‬لماذا كان‬
‫بينما كان البديل اإلقطاعي الذي يفصل المقاتلين‪/‬الحكام عن الفالحين منتشراً في الشمال؟» في نظره يتعلق‬
‫األمر باختالف في األنشطة؛ بين مجتمع هرمي اختار الزراعة‪ ،‬ومجتمع متحرك يقوم على الرعي ويتميز‬
‫بالمساواة‪.‬‬
‫وباعتبار هذه النظرية ما تزال تق ّدم أجوبة‪ ،‬وتثير تساؤالت كثيرة حول طبيعة المجتمع المغربي‪،‬‬
‫واألنساق المتحكمة فيه‪ ،‬يتطلب األمر ضرورة كشف هذا الرصيد النظري والتطبيقي من طرف الباحثين في‬
‫العلوم اإلنسانية‪ ،‬إال ّ‬
‫أن أسبقية القيام بنقد هذه النظرية‪ ،‬يفترض باألساس التجرّ د من مجموع المقوالت التي‬
‫تبناها ٌّ‬
‫كل من الطرح الوطني (المؤامرة)‪ ،‬والطرح الكولونيالي‪ ،‬وما بعد الكولونيالي (النظرة األورمركزية)‪.‬‬
‫ثم أخذ المسافة الكافية من أجل تالفي السقوط في تبني قوالب جاهزة ومغلقة‪ .‬أساساً‪ ،‬عبر الوعي باالختالف‬
‫المنهجي‪ ،‬والفارق الزمني بين ٍّ‬
‫كل من المدرسة الكولونيالية واالنقسامية‪ ،‬رغم إعطاء هذه األخيرة أهمية‬
‫كبرى لإلرث الكولونيالي‪ ،‬عبر توظيفه في مجموعة من الدراسات االنقسامية‪ .‬وأخيراً عبر العودة إلى أصولها‬
‫ومفاهيمها المهيكلة للخطاب الذي أنتجته مجموعة من الباحثين في مناطق مختلفة من العالم‪ ،‬باالعتماد على‬
‫هذه المقاربة التي اختلفت تسميتها بين االنقسامية والتجزيئية واالنشطارية‪.‬‬
‫يعالج هذا المقال إشكالية األصول والمفاهيم المؤطرة للنظرية االنقسامية‪ ،‬باعتبارها خطوة أساسية‬
‫لكل بحث أو دراسة تعالج أيّة مقاربة أنثروبولوجية‪ ،‬من أجل استحضار أه ّم المحطات التي ساهمت في‬
‫إخراج النموذج من طور التنظير مع إميل دوركايم ‪ ،Émile Durkheim‬إلى طور التطبيق خاصة‬
‫مع الباحث البريطاني إيفانس بريتشارد ‪ ،Evans-Pritchard‬ومن بعده مع إرنست غلنر‪ ،‬ودافيد‬
‫هارت ‪ ،David Hart‬وجون واتربوري ‪ ،... John Waterbury‬فكيف كان التقاء اإلرث الدوركايمي‬
‫باألنثروبولوجيا اإلنغلوساكسونية؟ وما انعكاسات ذلك على أبحاث إيفانس بريتشارد؟‬
‫‪ .1‬أصول النظرية االنقسامية‬
‫أ‪ -‬القرن التاسع عشر والسياق الفكري لظهور النظرية االنقسامية‪:‬‬
‫كان للتغيرات االقتصادية واالجتماعية والسياسية التي شهدتها أوروبا نتيجة الثورة الصناعية خالل‬
‫جسدتها أعمال ّ‬
‫كل من كارل ماركس ‪Karl‬‬
‫القرن التاسع عشر‪ ،‬وقع كبير على اإلنتاجات الفكرية التي ّ‬
‫‪3‬‬
‫‪www.mominoun.com‬‬
‫‪ ،Marx‬وماكس فيبر‪ ،Max Weber‬وإميل دوركايم‪ .‬أعمال وحدتها فكرة كون المجتمع الغربي الحديث‬
‫هو مجتمع مختلف جذرياً عن ّ‬
‫كل ما جاء قبله‪ .‬فبالنسبة إلى فريق ماركس الذي ض ّم كذلك فردريك إنجلز‬
‫‪ ،Friedrich Engels‬كان هذا االختالف نذيراً بقدوم فترة تاريخية ثورية‪ ،‬يقوم فيها نوع جديد من البنية‬
‫االجتماعية‪ ،1‬أمّا بالنسبة إلى ماكس فيبر وإميل دوركايم فقد كان المجتمع الحديث شيئاً فريداً‪ ،‬ألنّه ورغم‬
‫والدته من التاريخ األوروبي إال أنّه تطلب طريقة مختلفة جذرياً للتفكير والعمل والتنظيم كمجتمع‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ويعود هذا النشاط الفكري في هذه المرحلة بالضبط إلى كون هؤالء المنظرين شاهدوا المجتمع‬
‫األوروبي‪ ،‬والنقلة الحادة من الطرق «التقليدية» في الحياة إلى الطرق «الحديثة»‪ ،‬ووثقوا االنهيار في‬
‫الروابط والمؤسسات التي حكمت تلك المجتمعات «التقليدية»‪ .3‬األمر الذي فسح المجال أمام بروز قضايا‬
‫ومفاهيم جديدة أثّرت بشكل كبير في بناء مجموعة من النظريات تمحورت حول مفهومين مركزيين‪ :‬الدولة‬
‫والمجتمع‪ .‬وهي المفاهيم التي اشتغلت عليها األنثروبولوجيا الحقاً ّ‬
‫وأطرت أبرز أعمالها‪.‬‬
‫لقد جاءت تحليالت ٍّ‬
‫كل من كارل ماركس وماكس فيبر وإميل دوركايم لتركز بصورة أساسية على‬
‫التغيرات المصاحبة للثورة الصناعية‪ ،‬ومن أه ّم هذه التغيرات دراسة اآلثار الناتجة عن تحول الطبقات‬
‫العاملة الزراعية‪ ،‬وتركها للعمل في القطاع الزراعي‪ ،‬ثم توجهها للعمل في المؤسسات والشركات الصناعية‬
‫الجديدة‪ .4‬باإلضافة إلى الثورة العلمية التي أدت إلى نشأة علم االجتماع قبل ذلك مع الوضعية الكالسيكية في‬
‫تحليالت أوغست كونت ‪ ،Auguste Comte‬أو تصورات هربرت سبنسر ‪ Herbert Spencer‬العضوية‪.5‬‬
‫إال ّ‬
‫أن ما يهمنا في هذا الجانب ‑ الغني بالدراسات التي يمكن العودة إليها بالرجوع إلى عدد من‬
‫األعمال والدراسات‑‪ 6‬هو دراسة إميل دوركايم‪ ،‬التي هي في األصل أطروحة للدكتوراه نوقشت سنة ‪1893‬‬
‫وتمحورت حول تقسيم العمل في المجتمع الذي أ ّدى في نظره إلى االنتقال من التضامن اآللي إلى التضامن‬
‫ّ‬
‫تصب في موضوع االنقسامية في العرض التالي‪.‬‬
‫العضوي‪ .‬ويمكن تلخيص أبرز نقاطها التي‬
‫‪ ‑1‬روبيرتس (تيمونز) ‑ هايتي (أيمي)‪« ،‬من الحداثة إلى العولمة‪ :‬رؤى ووجهات نظر في قضية التطور والتغير االجتماعي»‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ترجمة‬
‫سمير الشكيكلي‪ ،‬منشورات عالم المعرفة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الكويت‪ ،2004 ،‬ص‪.12 :‬‬
‫‪ -2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.13 :‬‬
‫‪ ­­-3‬نفسه‪ ،‬ص‪.13 :‬‬
‫‪ ‑4‬عبد هللا (محمد عبد الرحمن)‪« ،‬النظرية في علم االجتماع‪ :‬النظرية الكالسيكية»‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬اإلسكندرية‪،2006 ،‬‬
‫ص‪.22 :‬‬
‫‪ ‑5‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.23 :‬‬
‫‪ ‑6‬بالنسبة إلى كارل ماركس وفردريك إنجلز‪" :‬العمل المغرب (‪« ،»)1844‬بيان الحزب الشيوعي (‪« ،»)1848‬أصل العائلة والملكية الخاصة‬
‫يخص ماكس فيبر‪« :‬األخالق البروتستانتية وروح الرأسمالية (‪« ،»)1905‬رسالة العلم (‪« ،»)1919‬سمات البيروقراطية‬
‫ّ‬
‫والدولة»‪ .‬وفي ما‬
‫(‪»)1920‬‬
‫‪4‬‬
‫‪www.mominoun.com‬‬
‫يح ّدد إميل دوركايم منذ البداية الهدف من دراسته هذه بالقول‪« :‬أمّا المسألة التي كانت الباعث لهذه‬
‫الدراسة فهي العالقات بين الشخصية الفردية والتعاون االجتماعي‪ .‬فكيف حدث أن أصبح الفرد أش ّد خضوعاً‬
‫ً‬
‫للمجتمع‪ ،‬في حين يكون أكثر‬
‫استقالال؟ وكيف يصبح في آن واحد أكثر فردية وأش ّد تبعية؟‪.»7‬‬
‫يقترح إميل دوركايم لفهم هذه المفارقة مفهومين سيكون لهما تأثير كبير في األنثروبولوجيا الوظيفية‪،‬‬
‫هما مفهوما‪ :‬التعاون اآللي‪ ،‬أو التعاون عن طريق التشابه‪ ،‬ثم التعاون العضوي‪ .‬باإلضافة إلى المفهوم‬
‫المح ّدد لهما‪ ،‬وهو تقسيم العمل‪ ،‬الذي ال يتردد دوركايم في نسبته إلى آدم سميث ‪ Adam Smith‬الذي ابتكر‬
‫هذه الكلمة‪ ،‬التي أعارها العلم االجتماعي في ما بعد إلى علم الحياة (البيولوجيا)‪.8‬‬
‫غير ّ‬
‫أن ما يجب التركيز عليه في هذا الصدد‪ ،‬هو المجتمعات ذات التعاون اآللي التي وصفها دوركايم‬
‫باالنقسامية‪ ،9‬أو المجتمعات األدنى المشابهة للهورد «‪ .»LE HORD‬فما هي خصائص هذه المجتمعات؟‬
‫يقول دوركايم‪« :‬نقول عن هذه المجتمعات إنّها عديدة األجزاء (انقسامية) لكي نشير إلى أنّها تتألف من‬
‫كتل متشابهة في ما بينها كحلقات الدود‪ ،‬ونقول عن هذه المجموعة عشيرة (‪ّ )Clan‬‬
‫ألن هذه الكلمة تعبّر‬
‫أن ّ‬
‫تعبيراً جيداً عن طبيعتها المختلفة العائلية والسياسية معاً‪ .‬إنّها عائلة‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫كل األفراد الذين يؤلفونها‬
‫يعتبرون أنفسهم أقرباء لبعضهم بعضاً‪ ،‬وهم في الحقيقة في أكثريتهم أقرباء بالدم‪ ،‬وهذه الوشائج التي تنشئها‬
‫وحدة الدم هي األساس الذي يجمع بينهم»‪ ،10‬ويستشهد دوركايم في وصف هذه المجتمعات بما كتب حول‬
‫القبيلة في ّ‬
‫كل من أمريكا مع لويس هنري مورغان ‪ ،L.H.MORGAN‬أو ما كتب حول الجزائر بالعودة‬
‫إلى كتابات هانوتو ولوتورنو (‪ Hanoteau (A) et Letouneux (A‬حول منطقة القبائل بالجزائر‪،‬‬
‫باإلضافة إلى دراسة إميل ماسكيراي ‪ E.Masqueray‬حول األوراس والمزاب والقبائل بالجزائر كذلك‪.‬‬
‫ولتوضيح الصورة بشكل كبير‪ ،‬يرى دوركايم ّ‬
‫«أن القبيلة بإفريقيا الشمالية هي العشيرة المستوطنة‬
‫في شكل القرية (الجماعة أو ‪ ،)Thadart‬وتؤلف بضعة من هذه الجماعات‪ ،‬عشيرة (‪،)Tribu, arch‬‬
‫كما تؤلف جملة من القبائل اتحاداً هو‪ (Thak’ebilt) K :‬وهذا االتحاد هو أرقى جماعة سياسية تعرفها‬
‫هذه القبائل»‪.11‬‬
‫‪ ‑7‬دوركايم (إميل)‪" ،‬في تقسيم العمل االجتماعي»‪ ،‬ترجمة‪ :‬حافظ الجمالي‪ ،‬مجموعة الروائع اإلنسانية‪ ،‬األونيسكو (السلسلة العربية)‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪ ،1986‬ص‪.49 :‬‬
‫‪ ‑8‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.50 :‬‬
‫‪ ‑9‬يستعمل المترجم كلمة مقطعية في مقابل ‪ Segmentarité‬في كامل فصول الكتاب‪ ،‬للداللة على مفهوم االنقسامية‪.‬‬
‫‪ ‑10‬دوركايم (إميل)‪" ،‬في تقسيم العمل االجتماعي»‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص‪.203‑202 :‬‬
‫‪ ‑11‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.206 :‬‬
‫‪5‬‬
‫‪www.mominoun.com‬‬
‫باإلضافة إلى الخصائص السابقة التي تسم المجتمعات االنقسامية كما ح ّددها إميل دوركايم يمكن أن‬
‫نضيف سمات أخرى موجزة في النقاط اآلتية‪:‬‬
‫كل شيء‪ ،‬وهو يشمل في خليط غامض ّ‬
‫يشكل الدين بالنسبة إلى المجتمعات االنقسامية ّ‬
‫ ّ‬‫كل األخالق‬
‫والحقوق‪ ،‬ومبادئ التنظيم السياسي‪ ،‬وحتى العلم أو ما يقوم مقامه على األقل‪.12‬‬
‫ كلما كانت المجتمعات أقرب إلى البداوة كان التشابه بين األفراد أعظم‪ ،‬وكان الوعي الجمعي أش ّد تأثيراً‪.‬‬‫ النموذج االنقسامي ينمحي كلما تق ّدمنا في التطور االجتماعي‪ ،‬إذ يقتضي مزيداً من التخصص‪،‬‬‫وتحرير الوجدان الفردي‪ ،‬فتنفلت بذلك الطبائع الفردية من تأثير الجماعة وتأثير الوراثة‪.13‬‬
‫يتبين من خالل هذا العرض الوجيز أله ّم خصائص المجتمعات االنقسامية كما وضعها إميل دوركايم‪،‬‬
‫تأثره بالتغيرات التي شهدها القرن التاسع عشر‪ ،‬القرن الذي الحظ فيه قوة النقلة التي عرفها المجتمع‬
‫األوروبي بسبب التصنيع‪ ،‬والتي ح ّولت المجتمع من البساطة واالتساق إلى‬
‫التخصص واالختالف‪ .14‬األمر‬
‫ّ‬
‫الذي جعله يقترح نموذجاً نظرياً وجهازاً مفاهيمياً لفهم الظاهرة االجتماعية‪ ،‬باعتبارها ليست معبّرة عن‬
‫طبيعة فردية فقط‪ ،‬بل عن وعي جمعي وضرب من السلوك‪ ،15‬متأثراً في ذلك ٍّ‬
‫بكل من أوغست كونت في‬
‫ما‬
‫يخص الطبيعة البشرية‪ ،‬وهربرت سبنسر من حيث المماثلة بين المجتمع والحياة العضوية‪ .16‬وهو ما‬
‫ّ‬
‫الحظناه من خالل قراءتنا لدراسته حول تقسيم العمل‪ ،‬إذ غالباً ما يشبّه المجتمعات االنقسامية بحلقات الدود‬
‫أو كائنات المستعمرات إذ يقول‪ ...« :‬في العلم الحيواني تنشأ فردانية‪ ،‬وهي شبيهة بفردانية المجتمعات التي‬
‫سميناها (انقسامية)‪ .‬وال يقتصر األمر على ّ‬
‫أن مخطط البنية واحد‪ ،‬بل التعاون هو من النوع نفسه‪ .‬والحق‬
‫أن األجزاء التي تؤلف مستعمرة حيوانية ما‪ ،‬تكون ملتحمة في ما بينها بصورة آلية‪ ،....‬كما ّ‬
‫ّ‬
‫أن النموذج‬
‫االنقسامي يزول كلما تقدمنا في التطور االجتماعي‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫فإن النموذج االستعماري عند بعض الحشرات‬
‫يتبدد كلما ارتقينا في السلم الحيواني‪.»17‬‬
‫غير ّ‬
‫أن هذا التمييز الذي وضعه إميل دوركايم‪ ،‬والذي أفضى به إلى تبيان صفات المجتمعات االنقسامية‪،‬‬
‫تعرض النتقادات كبيرة‪ ،‬خاصة من قبل باحثين اشتغلوا حول موضوع النظرية االنقسامية بشمال إفريقيا‪،‬‬
‫‪ ‑12‬نفسه‪ ،‬ص‪.157 :‬‬
‫‪ ‑13‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.453 :‬‬
‫‪ ‑14‬روبيرتس (تيمونز) وهايتي (أيمي)‪" ،‬من الحداثة إلى العولمة‪ :‬رؤى ووجهات نظر في قضية التطور والتغير االجتماعي»‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص‪61 :‬‬
‫‪ ‑15‬القصير (أحمد)‪" ،‬منهجية علم االجتماع بين الماركسية والوظيفية والبنيوية»‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬القاهرة‪،2012 ،‬‬
‫ص‪.34 :‬‬
‫‪ ‑16‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.36 :‬‬
‫‪ ‑17‬دوركايم (إميل)‪" ،‬في تقسيم العمل االجتماعي»‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص‑ص‪.221‑220 :‬‬
‫‪6‬‬
‫‪www.mominoun.com‬‬
‫وأبرزها نقد روبرت هيغ ‪ Roberts Hugh18‬الذي تمحور حول التأويل الخاطئ الذي سقط فيه دوركايم عند‬
‫قراءته للمصادر اإلثنوغرافية التي اعتمدها‪ ،‬خاصة المتعلقة ٍّ‬
‫بكل من لوتورنو وماسكراي‪ ،19‬والتي أ ّدت به‬
‫إلى وضع العشيرة ‪ ،Clan‬محل القرية ‪ Village‬من أجل تبرير وجود تضامن ميكانيكي (آلي) عند سكان‬
‫القبايل بالجزائر‪.20‬‬
‫بعد أن بيّنا السياق الفكري الذي أ ّدى في نهاية القرن التاسع عاشر إلى نحت مفاهيم إميل دوركايم حول‬
‫قضية التطور والتغيير االجتماعي التي يُع ّد محورها تقسيم العمل‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى مفاهيم أخرى كان لها‬
‫تأثير كبير على العلوم االجتماعية‪ ،‬منها المتعلقة بالمادية التاريخية كالصراع الطبقي ونمط اإلنتاج اآلسيوي‬
‫بالنسبة إلى كارل ماركس وفريدريك إنجلز‪ ،‬ث ّم المفاهيم التي عكستها أعمال ماكس فيبر حول البيروقراطية‬
‫والدولة والشرعية‪.‬‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫وصوال‬
‫إن هذه المفاهيم واألعمال أثّرت بشكل كبير في خيارات األنثروبولوجية من الوظيفية إلى البنيوية‪،‬‬
‫إلى التأويلية مع كليفورد غيرتز ‪ .Clifford Geertz‬غير ّ‬
‫أن األساس من هذا التأطير ألطروحة دوركايم‪،‬‬
‫هو بيان التأثير الذي مارسته الحقاً على األنثروبولوجيا اإلنغلوساكسونية خاصة النظرية االنقسامية‪ .‬فكيف‬
‫كان لقاء األنثروبولوجيا مع مفاهيم إميل دوركايم خاصة المتعلقة بالمجتمعات ذات السمات االنقسامية؟‬
‫ب‪ -‬األنثروبولوجيا الوظيفية‪ 21‬وبدايات النظرية االنقسامية‪:‬‬
‫لقد أوحى إميل دوركايم‪ ،‬في نظر الباحثة التونسية ليليا بنسالم‪ ،‬لمحللي المجتمعات المغاربية باتجاه‬
‫جديد في البحث األنثروبولوجي‪ ،‬حيث أشار إلى المجتمع القبائلي كنموذج للمجتمع االنقسامي العشائري‪،‬‬
‫وذلك مباشرة بعد أن أصدر هانوتو ولوتورنو كتاب‪ :‬القبايل واألعراف القبايلية (‪ ،)1872‬وبعد أن أصدر‬
‫ماسكري دراسته نشأة الحواضر لدى السكان المستقرين بالجزائر (‪ .22)1886‬لكن ورغم هذه اإلشارات‪،‬‬
‫لم يت ّم التطرق لمفاهيم إميل دوركايم إال عند اكتشافها من قبل األنثروبولوجيا اإلنغلوساكسونية‪ .‬فكان بذلك‬
‫‪18‑ Hugh Roberts, Perspectives sur les systèmes politiques berbères: à propos de Gellner et de Masqueray, ou‬‬
‫‪l’erreur de Durkheim, trad. ; Abderrezak Dourari, Insaniyat n°27, janvier – mars 2005, pp. 29-54‬‬
‫‪19‑ Ibid. P: 44.‬‬
‫‪20‑ Ibid. P: 50.‬‬
‫‪ ‑21‬تبلور االتجاه الوظيفي في مجال األنثروبولوجيا على يد كل من العالمين البريطانيين برونسلو مالينوفسكي (‪ )1942‑1884‬ورادكليف براون‬
‫(‪ ،)1955‑1881‬من خالل تبنّي أفكار الفرنسي إميل دوركايم‪ ،‬ونقد المنهج التاريخي عند التطوريين واالنتشاريين‪ .‬باعتبار األنثروبولوجيا ال تهت ّم‬
‫بتاريخ الظاهرة التي تبحثها بقدر ما تركز على الكشف عن العالقات القائمة بين عناصر تلك الظاهرة ككل‪ ،‬وعالقتها بغيرها من الظواهر األخرى‪ ،‬إذ‬
‫يؤدي هذا في النهاية إلى الوصول إلى القوانين التي تحكم الظاهرة من ناحية تكوينها وأدائها لوظيفتها‪ .‬انظر‪« :‬فهيم (حسين)‪« ،‬قصة األنثروبولوجيا‬
‫فصول في تاريخ علم اإلنسان»‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬العدد ‪ 1986 ،89‬ص‪».128 :‬‬
‫‪ ‑22‬بنسالم (ليليا)‪" ،‬التحليل االنقسامي لمجتمعات المغرب الكبير‪ :‬حصيلة وتقويم»‪ ،‬في‪ :‬األنثروبولوجيا والتاريخ (حالة المغرب العربي)‪ ،‬ترجمة‬
‫عبد األحد السبتي وعبد اللطيف الفلق‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،1988 ،‬ص‪.12 :‬‬
‫‪7‬‬
‫‪www.mominoun.com‬‬
‫رادكليف براون ‪ Radclife-Brown‬أول من تطرق لمفهوم «البنية» الدوركايمي أثناء قيامه بتأسيس‬
‫نظرية القرابة (هذه النظرية التي انتقدها كلود ليفي ستروس فيما بعد وعارضها بنظرية المصاهرة)‪ ،23‬كما‬
‫ّ‬
‫أن إيفانس برتشارد ناشر أعمال دوركايم باإلنجليزية ومساعد راد كليف براون هو أول من عاين‪ ،‬من خالل‬
‫أبحاثه الميدانية‪ ،‬أمثلة من المجتمعات االنقسامية‪ ،‬والتي استطاع من خاللها أن يم ّد األنثروبولوجيا بمنظومة‬
‫نظرية متكاملة‪ ،‬وضع دوركايم فيما قبل خطوطها العريضة‪.24‬‬
‫كان إذن تأثير دوركايم على األنثروبولوجيا الوظيفية جليّاً‪ ،‬إال ّ‬
‫أن هذا التأثير لن تتضح صورته إال من‬
‫خالل إبراز سياق تطور هذا الفرع من األنثروبولوجيا ببريطانيا‪ ،‬وأه ّم اإلضافات التي قامت بها في مجال‬
‫النظرية االنقسامية‪ ،‬علماً ّ‬
‫أن النظرية الوظيفية كما يرى الباحث أحمد القصير ترتبط بشكل دقيق بأعمال‬
‫دوركايم التي طرحت التفسير الوظيفي‪ .25‬باعتبارها تركت تقاطعات كبيرة بين األنثروبولوجيا االجتماعية‬
‫والثقافية‪ ،‬من جهة‪ ،‬وعلم االجتماع من جهة أخرى‪.26‬‬
‫ومن أجل فهم هذه العالقة بين علم االجتماع الفرنسي واألنثروبولوجيا اإلنغلوساكسونية‪ ،‬ال ب ّد من العودة‬
‫إلى ٍّ‬
‫كل من برونيسالف مالينوفسكي ‪ ،Bronisław Malinowski‬وألفرد رادكليف براون‪ ،‬أبرز رواد‬
‫االتجاه الوظيفي‪« .‬الرجالن اللذان يعتبران مؤسسي التراث البريطاني في األنثروبولوجيا االجتماعية‪،27‬‬
‫التي كانت تستم ّد من نظريات دوركايم‪ ،‬الذي إلى جانب ارتباط النشأة األكاديمية لعلم االجتماع بإسهاماته‬
‫النظرية ّ‬
‫فإن كتاباته النظرية ما تزال هي الموجّ ه الفكري والنظري للوظيفية‪.28‬‬
‫كان ارتباط ظهور األنثروبولوجيا بشكل عام والوظيفية بشكل خاص بسياق فكري اشتدت فيه أزمة‬
‫الحضارة األوروبية‪ ،‬فإلى جانب دوركايم كان هناك أولئك الذين أطلق عليهم بول ريكور ‪Paul Ricœur‬‬
‫سادة الشك‪ :‬كارل ماركس ونيتشه وفرويد‪ .‬حيث أ ّدى الشعور المتزايد بهذه األزمة إلى ارتفاع حمّى علم‬
‫ّ‬
‫ولكن‬
‫األنثروبولوجيا‪ ،‬التي أخذت في التعريف بنفسها‪ ،‬والبحث عن مكان لها في مؤسسات التعليم والبحث‪.‬‬
‫أحد أسباب ذلك االزدهار‪ ،‬بين عامي ‪ 1880‬و‪ ،1960‬كان حتماً هو التوسع االستعماري‪ .29‬باإلضافة إلى ّ‬
‫أن‬
‫هذا العلم كان في البداية عبارة عن بحث مقارن ومتعاكس مرتبط بتساؤل ذي طابع فلسفي حول مصير وقيمة‬
‫‪ ‑23‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.13 :‬‬
‫‪ ‑24‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.13 :‬‬
‫‪ ‑25‬القصير (أحمد)‪" ،‬منهجية علم االجتماع بين الماركسية والوظيفية والبنيوية»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.122 :‬‬
‫‪ ‑26‬يتيم عبد الرحمن (عبد هللا)‪" ،‬إميل دوركايم‪ :‬ملمح من حياته وفكره األنتروبولوجي»‪ ،‬مجلة إضافات‪ ،‬العدد ‪ ،20‬شتاء ‪ ،2013‬ص‪.28 :‬‬
‫‪ -27‬الجوهري (محمد) ومجموعة من الباحثين‪“ ،‬األنثروبولوجيا االجتماعية قضايا الموضوع والمنهج»‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،2003 ،‬ص‪.15 :‬‬
‫‪ -28‬عبد هللا (محمد عبد الرحمن) “النظرية في علم االجتماع‪ :‬النظرية الكالسيكية»‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.30 :‬‬
‫‪ -29‬فيليب (البورت) وآخرون‪“ ،‬إثنولوجيا أنتروبولوجيا»‪ ،‬ترجمة مصباح الصمد‪ ،‬مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ 2004 ،‬بيروت‑ لبنان‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪8‬‬
‫‪www.mominoun.com‬‬
‫ً‬
‫جدال حول طبيعة المجتمعات التي‬
‫الحضارات‪ .30‬وكان من نتائج ذلك أن عرفت األنثروبولوجيا‪ ،‬منذ نشأتها‪،‬‬
‫تدرسها‪ ،‬حيث ُسميّت تلك المجتمعات بأسماء مختلفة؛ ما قبل الصناعية‪ ،‬أو البدائية‪ ،‬أو الشفوية‪ ،‬أو مجتمعات‬
‫ما قبل الدولة‪ ،...‬وكلّها تسميات ال تخلو من أغراض إيديولوجية‪ ،‬السيما ّ‬
‫أن األنثروبولوجيا حقل دراسي من‬
‫صناعة الغرب‪ ،‬ومؤسساته العلمية‪ ،‬ما يعني ّ‬
‫أن هذه المجتمعات كانت موضوعاً بحثياً خارجياً‪ .31‬ومن أبرز‬
‫هذه الدراسات القريبة إلى موضوعنا حول الوظيفية يمكن أن ندرج‪:‬‬
‫‪- Malinowski, B., Argountes of the western Pasifique, New York, E.P. Dutton,‬‬
‫‪1922.‬‬
‫هذا الكتاب هو عبارة عن دراسة لشبكة من الهبات والهبات المضادة‪ ،‬المعروفة باسم “كوال”‪ ،‬بين‬
‫سكان أرخبيل تروبريان الميالنيزي‪ .‬وتمثل هذه الدراسة األحادية نموذجاً للعمل اإلثنوغرافي الطويل النفس‪،‬‬
‫والناتج عن المالحظة من خالل المشاركة‪ .‬وتتجلى أهمية هذا الباحث بالنسبة إلى رواد االنقسامية في‬
‫االحتفال المئوي الذي أقيم له سنة ‪ ،1984‬والذي يقول إرنست غيلنر إنّه أتاح له الفرصة ولمجموعة من‬
‫الباحثين لنشر عدة بحوث أعادت توجيه مسار األنثروبولوجيا‪.32‬‬
‫‪- A.R. Radclife-Brown, structure and function in primitive society, 1952.‬‬
‫يعتبر رادكليف براون أحد أبرز أعالم األنثروبولوجيا الوظيفية‪ ،‬حيث توزعت مهمته‪ ،‬حسب ما أورده‬
‫جيرارد ليكلرك في كتابه «األنثروبولوجيا واالستعمار»‪ ،‬في ثالثة اتجاهات رئيسة‪ :‬انتزاع األنثروبولوجيا من‬
‫التاريخ وعلم االجتماع عبر اعتبار التاريخ مجرّ د خادم للعلم الجديد‪ ،‬ووضع منهجية خاصة باألنثروبولوجيا‬
‫أساسها البحث الميداني‪ ،‬ثم أخيراً استقاللية غرض األنثروبولوجيا‪ .33‬غير أنّه يبدو أكثر تأثراً في أبحاثه‬
‫بآراء إميل دوركايم خاصة‪ ،‬من حيث المماثلة بين الحياة العضوية والمجتمع‪.‬‬
‫‪- Evans-Pritchard E.E., The Nuer; a description of the Modes of Livelihood‬‬
‫‪and Political Institutions of a Nilotic People, Oxford, Clarendon, 1940‬‬
‫‪ -30‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.30 :‬‬
‫‪ -31‬الوكيلي (يونس) “في منهج دراسة المعتقدات السحرية من منظور إميل دوركايم»‪ ،‬ضمن ملف بحثي حول الدين والمجتمع ونظرية المعرفة‪:‬‬
‫قراءات معاصرة في أعمال إميل دوركهايم‪ ،‬تنسيق يونس الوكيلي‪ ،‬منشورات مؤمنون بال حدود‪ 2015 ،‬ص‪.87‬‬
‫‪32‬ـ فهيم (حسين) "قصة األنثروبولوجيا‪ ،‬فصول في تاريخ علم اإلنسان»‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪ -33‬لكلرك (جيرار) “األثروبولوجيا واالستعمار»‪ ،‬ترجمة جورج كنتورة‪ ،‬مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫بيروت‑ لبنان‪ ،1990 ،‬ص‑ص‪.71‑67 :‬‬
‫‪9‬‬
‫‪www.mominoun.com‬‬
‫‪- Evans-Pritchard E.E., the Sansui of Cyrenaica, The Clarendon press, Oxford,‬‬
‫‪1949.‬‬
‫يقوم إيفانس بريتشارد في هذه الدراسات بتحليل االقتصاد الرعوي وبيئته المكانية والزمانية عند قبائل‬
‫النوير التي تعيش في السودان على رعي البقر‪ ،‬باإلضافة إلى دراسته للطريقة السنوسية في عالقتها مع بدو‬
‫برقة‪ ،‬من خالل التركيز على البنى السياسية واألنساب وفئات السن‪ ،‬والوظائف التي تقوم بها‪ .‬حيث اهتدى‬
‫إلى حالة من التنظيم االنقسامي‪ ،34‬التي نظر لها إميل دوركايم‪ ،35‬الذي تُع ّد أبحاثه حسب إيفانس بريتشارد‬
‫حلقة أساسية في تط ّور علم األناسة بسبب نظرياته االجتماعية‪.36‬‬
‫وتعتبر في هذا السياق مساهمة إيفانس بريتشارد حول قبائل النوير بالسودان البداية الفعلية للنظرية‬
‫االنقسامية التي تبنّاها مجموعة من الباحثين لدراسة المجتمعات في شمال إفريقيا وآسيا‪ ،‬غير ّ‬
‫أن هذه‬
‫الدراسة‪ ،‬كما يرى جيرار لكلرك ‪ ،Gérard Leclerc‬ال تخرج عن إطار الدراسات المؤسساتية التي كانت‬
‫ال تختلف مع اإلدارة غير المباشرة للمستعمرات البريطانية بإفريقيا‪ ،‬باعتبارها ضرورية وممكنة من جانب‬
‫االستعمار الليبرالي المتن ّور‪.37‬‬
‫إال ّ‬
‫أن جديّة هذه الدراسات التي قام بها إيفانس بريتشارد تتجلّى في دعوة صاحبها إلى عدم إغفال‬
‫الجانب التاريخي للمجتمعات المدروسة في المقاربة الوظيفية‪ ،‬عندما بين ّ‬
‫أن صلة اإلناسة االجتماعية‬
‫بالتاريخ أقوى من صلتها بالعلوم الطبيعية‪ ،‬باعتبارها تبحث في المجتمعات بكونها نظماً رمزية وليست‬
‫ً‬
‫بوصفها نظماً طبيعية‪ ،‬وبالتالي تق ّدم‬
‫تأويال وليس تفسيراً علمياً‪ .38‬فكيف ساهم إذن إيفانس بريتشارد في نحت‬
‫مفهوم االنقسامية؟‬
‫‪ -34‬فيليب (البورت) وآخرون‪“ ،‬إثنولوجيا أنتروبولوجيا»‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص‪.31 :‬‬
‫‪ -35‬باإلضافة إلى هذه الدراسات‪ ،‬ظهرت مجموعة من األبحاث األخرى‪ ،‬التي أسست فعلياً للنظرية االنقسامية خاصة بإفريقيا أبرزها‪:‬‬
‫‪- Meyer Fortes and E. E. Evans-Pritchard, African Political Systems, Oxford University Press, 1940.‬‬
‫‪- M.G Smith, Segmentary Lineage Systems, The Journal of the Royal Anthropological Institute, 86, part 2,‬‬
‫‪1956.‬‬
‫‪- J. Middleton et D. Tait, Tribes Without Rules, Studies in African Segmentary Systems, Routlege et Kegan‬‬
‫‪Paul, London, 1958.‬‬
‫‪- Marshall D. Sahlins, the segmentary Lineage: An organization of Predatory Expansion, American Anthro‬‬‫‪pologist, 63, 1961.‬‬
‫‪ -36‬إيفانس (بريتشارد) “اإلناسة المجتمعية‪ :‬ديانة البدائيين في نظريات اإلناسيين»‪ ،‬ترجمة حسن قبيسي‪ ،‬دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬لبنان ‑ بيروت‪ ،1986 ،‬ص‪.64 :‬‬
‫‪ ‑37‬لكلرك (جيرار) "األنثروبولوجيا واالستعمار»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.136 :‬‬
‫‪ -38‬فولف (كريستوف) “علم اإلناسة‪ :‬التاريخ والثقافة والفلسفة»‪ ،‬ترجمة أبو يعرب مرزوق‪ ،‬الدار المتوسطية للنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬أبو ظبي‪،‬‬
‫‪ ،2009‬ص‪.131 :‬‬
‫‪10‬‬
‫‪www.mominoun.com‬‬
‫‪ .2‬املفاهيم املهيكلة للنظرية االنقسامية‬
‫أ‪ -‬مفهوم المجتمع االنقسامي‪:‬‬
‫ال يمكن اليوم الحديث عن هذا المفهوم من قبل الباحثين دون الرجوع إلى التعريف الذي وضعه إميل‬
‫دوركايم‪ ،‬لكن يبقى اإلسهام الميداني لـ «إيفانس بريتشارد» هو األساس‪ ،‬والمرجع الذي تبنّاه معظم رواد‬
‫النظرية االنقسامية ليس بدول المغارب فقط‪ ،‬بل حتى في التعريفات الموسوعية‪ ،‬حيث نجد في قاموس‬
‫األنثروبولوجيا التعريف التالي‪« :‬مجتمع انقسامي ‪Segmentarity society‬؛ مجتمع ينقسم إلى وحدات‬
‫تنتسب إلى سلف بعيد‪ ،‬ويرتبط بعضها ببعض بروابط القرابة‪ .‬فالقبيلة الكبيرة تنقسم إلى عشائر ‪ ،Clan‬التي‬
‫تنقسم بدورها إلى أفخاذ ‪ .Lineages‬وتعيش ّ‬
‫كل وحدة في إقليم خاص بها‪ ،‬وتمارس فعاليتها االقتصادية‬
‫بحريّة‪ ،‬فهي مستقلة عن الوحدات األخرى‪ ،‬وال تخضع في حياتها السياسية إال لسلطة رئيسها المباشر‪ .‬ولذلك‬
‫فليس في المجتمع االنقسامي سلطة موحدة‪ ،‬ويعتبر شعب النوير القاطن في جنوب السودان نموذجاً لهذه‬
‫المجتمعات‪.»39‬‬
‫واألمر نفسه بالنسبة إلى مراجع أخرى‪ ،‬مثل موسوعة علم اإلنسان‪ ،‬حيث «يستخدم مصطلح انقسامي‬
‫ّ‬
‫ليدل على نظام القبيلة التي تح ّدد االنحدار القرابي على أساس تتبع‬
‫‪ Segmentary‬في األنثروبولوجيا‬
‫عالقاتهم بأسالفهم األعلى البعيدين‪ .‬وعلى ضوء هذا‪ ،‬يفهم البناء االجتماعي على أنّه نظام متدرّ ج يشبه‬
‫الشجرة ذات المستويات المختلفة من الوحدة والتعارض‪ ،‬فالوحدات المنقسمة عند المستوى األدنى تتجمع‬
‫معاً داخل وحدات أكبر عند مستوى أعلى‪ .‬ومن هنا يربط إيفانس بريتشارد البناء االنقسامي بالمسافة القرابية‬
‫(الجينيالوجيا)‪.»40‬‬
‫نجد كذلك من خالل عودتنا لكتاب إيفانس بريتشارد حول قبائل النوير وصفاً دقيقاً للمجتمعات االنقسامية‬
‫من خالل عدة نصوص أو أشكال رسومية تبيّن البناء االنقسامي عند قبيلة النوير‪ ،‬هذه الرسوم التي هي إمّا‬
‫عبارة عن جداول وتشجيرات سنورد بعض األمثلة عنها في سياق حديثنا عن مفهومي االنصهار واالنشطار‪،‬‬
‫اللذين ّ‬
‫شكال اإلضافة النظرية المهمة لبريتشارد في إضافاته للبناء النظري للمقاربة االنقسامية‪ ،‬والتي حاول‬
‫فيما بعد ٌّ‬
‫كل من إرنست غيلنر ودافيد هارت ولوسيت فالنسي وجون واتربوري توظيفها في سعيهم إلى تحديد‬
‫‪ -39‬مصطفى سليم (شاكر) “قاموس األنثروبولوجيا»‪ ،‬جامعة الكويت‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1981 ،‬ص‪.860 :‬‬
‫‪ -40‬سيمور‑ شميت (شارلوت)‪“ ،‬موسوعة علم اإلنسان المفاهيم والمصطلحات االنثروبولوجية»‪ ،‬ترجمة مجموعة من الباحثين بإشراف محمد‬
‫الجوهري‪ ،‬المشروع القومي للترجمة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬القاهرة‪ ،1998 ،‬ص‪.126 :‬‬
‫‪11‬‬
‫‪www.mominoun.com‬‬
‫طبيعة البنية االجتماعية في المجتمعات المغاربية‪ ،41‬باعتبار ّ‬
‫أن النظام االنقسامي ينبغي أن تتوفر فيه‪ ،‬حسب‬
‫الباحث علي صدقي أزايكو‪ ،‬الشروط اآلتية‪:‬‬
‫ انعدام أيّ تجميع للسلطة بين يدي شخص واحد بصفة عامة‪.‬‬‫ الغياب التام للمؤسسات السياسية المتخصصة‪.‬‬‫ التوزيع المتوازن للسلطة بين مختلف المجموعات‪ ،‬وعلى جميع المستويات‪ ،‬وهذا يكفي لضمان‬‫استتباب النظام‪.42‬‬
‫ب‪ -‬االنشطار‪Fission :‬‬
‫يُع ّد مفهوم االنشطار من المفاهيم األساسية في النموذج االنقسامي‪ ،‬وقد صاغ إيفانس بريتشار هذا‬
‫المفهوم في سياق بحثه حول النظام السياسي لقبائل النوير السودانية‪ ،‬حيث أكد ّ‬
‫أن قبائل النوير تنقسم إلى‬
‫قسمات‪ ،‬ويمكن تسمية القسمات الكبيرة‪ ،‬بفروع القبيلة ‪ ،Tribal sections‬التي تتجزأ حتى المستوى الثالث‬
‫(األدنى) من القبيلة‪ .‬وهذه الفروع تتكون من مجموعة من المداشر‪ ،‬التي تتكون بدورها من مجموعات تربط‬
‫بينها عالقة القرابة‪ .43‬مثل قبيلة اللو (‪ ،)Lou tribe‬التي تنقسم إلى فرعين‪ :‬جين ‪ Gun‬ومور ‪ ،Mor‬ثم‬
‫وحسها‬
‫إلى فروع ثانية وثالثة‪ ،44‬حيث تتّسم هذه الفروع‪ ،‬في نظر إيفانس بريتشارد‪ ،‬بنفس صفات القبيلة‪،‬‬
‫ّ‬
‫المشترك‪ ،‬واتجاه مواردها االقتصادية‪ ،‬وانتمائها لمجال ترابي معين‪.45‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫التجزؤ يجعلها متعارضة فيما بينها‪ ،‬وأعضاء‬
‫وكل قسمة حسب بريتشارد‪ ،‬مجزأة في الوقت نفسه‪ ،‬وهذا‬
‫ّ‬
‫كل قسمة هم في استعداد للتصارع مع قسمة أخرى من الفرع نفسه‪ ،‬كما أنّهم في استعداد للتوحد من أجل‬
‫محاربة عدو آخر‪ .46‬إال ّ‬
‫أن ما يهمنا في هذا السياق هو حالة االنشطار‪ ،‬والتي ال يمكن فهمها إال إذا تجاوزنا‬
‫مع إيفانس بريتشارد مستوى النظام السياسي عند قبائل النوير الذي تمثله القبيلة وفروعها إلى مستوى نظام‬
‫‪ -41‬الهراس (المختار)‪“ ،‬القبيلة والسلطة تطور البنيات االجتماعية في شمال المغرب»‪ ،‬المركز الوطني لتنسيق وتخطيط البحث العلمي والتقني‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬الرباط‪ ،1988 ،‬ص‪.17 :‬‬
‫‪ -42‬أزايكو (علي صدقي)‪“ ،‬حول النظرية التجزئية مطبقة على المغرب»‪ ،‬مجلة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية الرباط‪ ،‬العدد الرابع عشر‪،1988 ،‬‬
‫ص‪.10 :‬‬
‫‪43‑ Evans-Pritchard E.E., The Nuer; a description of the modes of livelihood and political institutions of a‬‬
‫‪nilotic people, Oxford, Clarendon Press, 1940, P: 139.‬‬
‫‪44‑ Ibid; P: 139-142.‬‬
‫‪45‑ Ibidem‬‬
‫‪46‑ Evans-Pritchard E.E., The Nuer; a description of the modes of livelihood and political institutions of a‬‬
‫‪nilotic people, op.cit, P: 143.‬‬
‫‪12‬‬
‫‪www.mominoun.com‬‬
‫خط النسب ‪ THE LINEAGE SYSTEM‬الذي يبرز مدى تجزؤ القبيلة‪ ،‬والذي يمكن توضيحه حسب‬
‫الشكل التالي‪:47‬‬
‫الرسم ‪ :1‬تفرعات ومستويات القبيلة‬
‫ينطلق إيفانس بريتشارد من كون العشيرة عند قبائل النوير هي بمثابة مجموعة من األفراد الذين ينتمون‬
‫بنسبهم إلى ج ٍّد مشترك‪ ،‬كما ّ‬
‫أن العشيرة نظام لخطوط من األنساب‪ ،‬وهذه الخطوط هي جنيالوجيا تمثل‬
‫قسمات العشيرة‪ .48‬حيث نجد العشيرة ‪ A‬تنقسم إلى خطوط نسب عليا هي ‪ B‬و‪ ،C‬والتي تنقسم بدورها إلى‬
‫خطوط نسب رئيسة ‪ F ، E ، D‬و‪ .G‬أمّا القسمات الثانوية ‪ ،H‬و‪ ،I‬و‪ J‬و‪ K‬لخطي النسب ‪ G‬و‪ ،D‬فتتجزأ‬
‫لخطوط نسب دنيا هي‪ ،L :‬و‪ ،M‬و‪ N‬و‪ .O‬األمر الذي يبرّ ر في نظر الباحث كون هذه المجتمعات هي‬
‫باألساس مجتمعات انقسامية‪.‬‬
‫إلى جانب األشكال المتعددة والكثيرة التي أوردها ر ّواد المقاربة االنقسامية‪ ،‬في سياق حديثهم عن قابلية‬
‫ً‬
‫شكال آخر للباحثة جان فافري ‪Jeanne‬‬
‫المجتمعات ذات الصفات االنقسامية لالنشطار‪ ،‬يمكن أن ندرج‬
‫‪ Favret‬حول موقع الفرد في المجتمع االنقسامي‪.‬‬
‫‪47‑ Ibid,P: 193.‬‬
‫‪48‑ Ibid,P: 192.‬‬
‫‪13‬‬
‫‪www.mominoun.com‬‬
‫الرسم ‪ :2‬تمثيل تخطيطي للمجتمع االنقسامي من وجهة نظر الفرد‬
‫‪49‬‬
‫ترى جان فافري ‪ّ Jeanne Favret‬‬
‫أن النظام االنقسامي يمكن أن يمثل في شكلين مختلفين‪ :‬مثل شجرة‬
‫عندما نأخذ في عين االعتبار وجهة نظر الجماعة ‑­ كما هو الحال للرسم الذي استقيناه من إيفانس بريتشارد‑‬
‫أو على شكل دوائر متداخلة تبرز موقع الفرد وموقفه‪ .50‬غير ّ‬
‫أن هذه األشكال تبقى مع ذلك مضللة‪ ،‬في نظر‬
‫الباحثة نفسها‪ ،‬باعتبار وجود مجتمع قائم على تعارض القسمات المكونة له‪ ،‬ال يعني أنّه يتجزأ إلى ما ال‬
‫نهاية‪ .51‬خاصة ّ‬
‫وأن صورة الشجرة التي تبرز صيرورة (‪ )Processus‬االنشطار واالنصهار تنذر بحدود‬
‫هذه الصيرورة حيث يستحيل االنشطار‪.‬‬
‫أمام هذه اإلشكالية تقترح الباحثة جان فافري الدوائر المتداخلة (انظر الرسم السابق)‪ ،‬والتي يمكن‬
‫تصنيفها إلى ثالثة مستويات‪:‬‬
‫‪49‑ Jeanne Favret-Saada, La SegmentaritéAu Maghreb, In: L’Homme, 1966, tome 6, n °2. P 108.‬‬
‫‪50‑ Jeanne Favret-Saada, op.cit, P: 107.‬‬
‫‪51‑ Ibid. P: 107‬‬
‫‪14‬‬
‫‪www.mominoun.com‬‬
‫ المستوى األول‪ :‬يتجلى هذا المستوى في الدائرة المركزية‪ّ ،‬‬‫وكل ما يتعلق بالحياة اليومية‪ ،‬وتسوية‬
‫النزاعات الخاصة بها‪ ،‬صراع حول الحقل أو مياه الري بين الفرد وأبناء عمومته‪.‬‬
‫ المستوى الثاني‪ :‬تشكله الدوائر ‪ ،2‬و‪ ،3‬و‪ 4‬يت ّم عبره تحقيق توازن السلطة في القرية أو المدشر‪،‬‬‫باالرتكاز إلى جينيالوجيا حقيقية (بيولوجية)‪.‬‬
‫ المستوى الثالث‪ :‬يتمثل في الدوائر الخارجية التي تتكلف فيها القسمات بالدفاع عن الموارد االقتصادية‬‫المتمثلة خاصة في األراضي الجماعية‪ ،‬باعتماد إيديولوجية جينيالوجية أسطورية‪.52‬‬
‫ج‪ -‬االنصهار‪Fusion :‬‬
‫بالنسبة إلى المفهوم الثاني؛ االنصهار يتطلب األمر وجود خطر خارجي‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى استنفار‬
‫ً‬
‫وصوال إلى االتحاد القبلي في بعض األحيان‪ ،‬من‬
‫مجموع القبيلة من الفرد‪ ،‬األسرة‪ ،‬خط النسب‪ ،‬المدشر‪،...‬‬
‫أجل مواجهة هذا اآلخر الذي يهدد وجود القبيلة أو مواردها االقتصادية‪ .‬ويشير االنقساميون إلى هذه الحالة‬
‫عبر جدول االنصهار والمثل العربي‪.‬‬
‫‪ -‬جدول االنصهار‪:‬‬
‫الرسم ‪ :3‬تعارض قسمات القبيلة وانصهارها في مواجهة قبيلة أخرى‬
‫‪53‬‬
‫‪52‑ Ibidem‬‬
‫‪53‑ Evans-Pritchard E.E., The Nuer; a description of the modes of livelihood and political institutions of a‬‬
‫‪nilotic people, op.cit, P: 143.‬‬
‫‪15‬‬
‫‪www.mominoun.com‬‬
‫يجسد هذا الرسم حسب إيفانس بريتشارد حالة افتراضية‪ ،‬يبين من خاللها لعبة القسمات من خالل‬
‫ّ‬
‫تعارضها‪ ،‬أو انصهارها في حالة وجود حرب بين قبيلة من النوير وقبيلة أخرى من الدنكا‪ ،‬حيث يت ّم تحالف‬
‫فئات على مستوى العشائر لمواجهة خطر خارجي (حالة االنصهار)‪ ،‬عبر االفتراض التالي‪:‬‬
‫ عندما تتصارع ‪ Z1‬و‪ Z2‬ال تشارك أيّة قسمة في هذا الصراع‪.‬‬‫ عندما تتصارع ‪ Z1‬و‪ Y1‬تتحالف ‪ Z1‬و‪ Z2‬واألمر نفسه ينطبق على ‪ Y1‬و‪.Y2‬‬‫ أمّا عندما تتحارب ‪ Y1‬و‪ّ ،Z1‬‬‫فإن ‪ Y1‬و‪ Y2‬تتحد‪ ،‬وكذلك ‪ Z1‬و‪.Z2‬‬
‫ يؤدي الصراع بين ‪ X1‬و‪ ،A‬إلى توحد ‪ X1، X2، Y1‬و‪ ،Y2‬في إطار‪.B‬‬‫ عندما تتورط ‪ A‬في صراع مع قبيلة من الدنكا‪ ،‬يمكن أن تتوحد ‪ A‬و‪ B‬لمواجهة الخطر الخارجي‪.‬‬‫ المثل العربي‪:‬‬‫غالباً ما يلجأ الباحث في النظرية االنقسامية‪ ،‬أو المهتم بها إلى استحضار المثل العربي الذي ق ّدم‬
‫شهادة كبيرة للنموذج االنقسامي‪ ،‬خاصة عند تطبيقه على المجاالت المغاربية من أجل تعريف المجتمعات‬
‫االنقسامية‪ .‬من خالل القول‪« :‬أنا ض ّد إخوتي‪ ،‬أنا وإخوتي ضد أبناء عمي‪ ،‬أنا وإخوتي وأبناء عمي ض ّد‬
‫اآلخر»‪ .54‬يـُفعل االنصهار في نظر إرنست غيلنر بمجرد حدوث التهديدات واألخطار التي قد ّ‬
‫تخل بتوازن‬
‫مجموعات متشابهة ومتعارضة في الوقت نفسه‪ .55‬ولجعل هذا المثل أكثر خدمة لصورة التنظيم االنقسامي‪،‬‬
‫يقترح إرنست غيلنر تطويره ليصبح‪« :‬أنا ض ّد إخواني‪ ،‬أنا وإخواني ض ّد أبناء عمي‪ ،‬إخواني وأبناء عمي‬
‫ض ّد أبناء عمومتنا‪ ،‬إخواني وأبناء عمي وأبناء عمومتنا ض ّد العشيرة المنافسة داخل القرية‪ّ ،‬‬
‫كل أفراد القرية‬
‫ض ّد القرية المجاورة‪ ،‬مجموعة من القرى أو بلدة ‪ Le canton‬ض ّد بلدة أخرى‪...‬إلخ»‪.56‬‬
‫يتضح من خالل ما سبق ّ‬
‫أن االنقساميين قاموا بتطوير هذا المثل العربي من أجل خدمة النموذج الذي‬
‫وضعوه‪ ،‬والذي يؤكد نزعة المجتمعات االنقسامية إلى االنصهار‪ ،‬أو تكتل مجموع القسمات كلما تهددها‬
‫خطر خارجي‪ .57‬كما صاحب هذا التطوير تعديالت منهجية أثارت إشكالية الزواج‪ ،‬هل هو داخلي أم‬
‫‪54‑ Jeanne Favret-Saada, La SegmentaritéAu Maghreb, op, cit. P: 108.‬‬
‫‪55‑ Alain Mahé, Violence et médiation. Theorie de la segmentarité ou pratique juridique en kabylie, in:‬‬
‫‪Geneses, 32, 1998, p: 57.‬‬
‫‪56‑ Alain Mahé, Violence et médiation. Théorie de la segmentarité ou pratique juridique en Kabylie, op.cit,‬‬
‫‪P: 57.‬‬
‫‪ ‑57‬بنسالم (ليليا) "التحليل االنقسامي لمجتمعات المغرب الكبير‪ :‬حصيلة وتقويم»‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص‪.18 :‬‬
‫‪16‬‬
‫‪www.mominoun.com‬‬
‫خارجي؟ األمر الذي اختلف حوله أغلب الباحثين‪ ،‬من مؤيد لمقولة الزواج الداخلي‪ ،‬وآخر معارض لها‪.‬‬
‫باإلضافة إلى من يقول بإمكانية وجود مجتمع انقسامي بصورة كاملة دون أن يفرز فكرة العشيرة التي تتبنّى‬
‫الزواج الخارجي‪.58‬‬
‫وبالعودة إلى المثل العربي نجد أنّه يخدم إلى جانب تأكيده على مفهومي االنشطار واالنصهار‪ ،‬قضايا‬
‫ال ّ‬
‫تقل أهمية كذلك‪ ،‬باعتبارها ّ‬
‫تشكل مركز النظرية التي تتمحور في جانب كبير منها حول إشكالية السلطة‬
‫في المجتمعات االنقسامية‪ ،‬أو كيف تحكم هذه المجتمعات؟‬
‫خامتة‬
‫يبدو من خالل ما سبق ّ‬
‫أن المجتمع االنقسامي أو القبيلة‪ ،‬حسب تصور إيفانس بريتشارد وأغلب من‬
‫جاء بعده‪ ،‬تشبه في تكوينها «شجرة» لها أصل واحد‪ّ ،‬‬
‫لكن هناك عملية مستمرة لتوالد الفروع تؤدي إلى خلق‬
‫إوالية ميكانيزم االنشطار‪ ،‬والتي ترافقها في الوقت نفسه إوالية معاكسة هي‪ :‬إوالية االنصهار كلما كان هناك‬
‫تهديد خارجي‪ .59‬األمر الذي أ ّدى بهذه النظرية إلى تبنّي مقولة عدم تمركز السلطة بالمجتمعات االنقسامية‪،‬‬
‫إضافة إلى مقولة المساواة المطلقة التي تفضي إلى غياب التراتب االجتماعي إال في حاالت استثنائية‪ ،‬األمر‬
‫الذي جعلهم يتصورون حياة خالية من الصراع والتراتبية‪ .60‬إذا كان األمر على هذه الشاكلة‪ ،‬فكيف تدبر‬
‫القبيلة أمورها إذن؟‬
‫يت ّم في هذه الحالة اللجوء إلى شخص ينتمي إلى بعض السالالت المعينة‪ ،‬وهو الذي يقوم بدور الوساطة‬
‫في حالة القتل‪ ،‬بالنسبة إلى قبائل النوير‪« :‬الرئيس ذو فروة الفهد»‪ ،61‬أمّا بالنسبة إلى القبيلة المغربية‪ ،‬وكما‬
‫أشار إلى ذلك إرنست غيلنر‪ ،‬فيت ّم عبر قناة داخلية إلدارة شؤون القبيلة‪ ،‬وقناة خارجية يشكلها في نظره‬
‫الصلحاء‪ ،‬عبر ممارسة التحكيم‪ ،62‬الذي تقوم به بعض السالالت المبجلة والتي تعود من خالل شجرة أنسابها‬
‫إلى فاطمة الزهراء بنت الرسول‪.‬‬
‫ختاماً وجب أن نشير إلى ّ‬
‫أن أيّ نظرية أنثروبولوجية كيف ما كانت‪ ،‬هي نتاج لصيرورة من الدراسات‬
‫التي تضيف وتع ّدل النموذج وفق شروط ّ‬
‫كل دراسة‪ ،‬وهو ما يتبيّن من خالل أبحاث إرنست غيلنر حول‬
‫القبيلة في األطلس الكبير بالمغرب‪ ،‬والتي حاول فيها المزج بين المنهج الوظيفي والبنيوي من أجل تجاوز‬
‫‪ -58‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.18 :‬‬
‫‪ -59‬ضريف (محمد) "مؤسسة الزوايا بالمغرب»‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لعلم االجتماع السياسي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1992 ،‬ص‪.75 :‬‬
‫‪ -60‬شرقي (محمد) “التحوالت االجتماعية بالمغرب من التضامن القبلي إلى الفردانية»‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2009 ،‬ص‪.40 :‬‬
‫‪ -61‬بنسالم (ليليا) "التحليل االنقسامي لمجتمعات المغرب الكبير‪ :‬حصيلة وتقويم»‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص‪.15 :‬‬
‫‪ -62‬كلنر (إرنست) "السلطة السياسية والوظيفة الدينية في البوادي المغربية»‪ ،‬في األنثروبولوجيا والتاريخ حالة المغرب العربي‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص‪49 :‬‬
‫‪17‬‬
‫‪www.mominoun.com‬‬
‫أزمة المنهج االنقسامي‪ ،‬األمر الذي تمحور حوله نقد عبد هللا حمودي‪ .‬أو من خالل دراسات أخرى‪ ،‬طبقت‬
‫النموذج االنقسامي‪ ،‬ولم ُ‬
‫تخل من نقد مؤسس‪ ،‬إمّا على خلفية تاريخية أو سوسيولوجية أو أنثروبولوجية‪ ،‬وهو‬
‫تجسده بشكل كبير التعديالت المنهجية واإلبستيمولوجية التي قامت بها المدرسة التأويلية بدءاً بالتركيز‬
‫ما ّ‬
‫ً‬
‫وصوال إلى تجديد الكتابة األنثروبولوجية من خالل إبداع أشكال جديدة‪ ،‬لعل‬
‫على األنساق الثقافية والرموز‪،‬‬
‫أبرزها السيرة االجتماعية بوصفها وثيقة اجتماعية‪ ،‬وهو الورش الذي برز فيه ديل أيكلمان ‪D.Eickelmann‬‬
‫الذي عاب على االنقسامية تهميش الجانب التاريخي‪ ،‬حيث يقول في هذا الصدد‪...« :‬إن نحن قمنا بمقارنة‬
‫مؤلف مارك بلوك ـ المجتمع الفيودالي‑ الذي يشرح فيه الكيفية التي ظهر بها مفهوم الالمساواة الذي نسميه‬
‫بالفيودالية‪ ،‬في القرنين الحادي عشر والثاني عشر في أوروبا‪ ،‬وكذلك انعكاسات هذا المفهوم على العالقات‬
‫بين الدين والسلطة السياسية وبين السادة واألقنان‪ ،‬وانعكاساته في مفاهيم األسرة والمكان والوالء‑ أقول إن‬
‫نحن قارنا هذا المؤلف بدراسة مثل دراسة إرنست غيلنر عن ‑ صلحاء األطلس ‑ فإنّه سيصعب علينا أن‬
‫أن كثيراً‬
‫نجزم القول في أيّ العملين ننسبه إلى المؤرخ‪ ،‬وفي أي منهما ننسبه إلى األنثروبولوجي‪ .‬والواقع ّ‬
‫أن مارك بلوك هو أكثر االثنين جدارة بلقب األنثروبولوجي‪ّ ،‬‬
‫من القرّ اء سيخلص إلى ّ‬
‫ألن التفسيرات التي‬
‫يعطيها لمفاهيمه أكثر إقناعاً في ربطها بما هو متوافر لديه من أدلة»‪.63‬‬
‫ّ‬
‫إن استحضار هذه القولة لـ «ديل أيكلمان» ال يجب القفز عنه دون اإلشارة إلى دفاع األنثروبولوجيين الجدد‬
‫منذ دافيد هارت عن أهمية القراءة التاريخية في أي عمل أنثروبولوجي‪ ،‬من أجل تجاوز عقد األنثروبولوجيا‬
‫الكالسيكية‪ ،‬وهو ما حاول بالفعل ديل أيكلمان تداركه في دراساته المتميزة حول المغرب من خالل االشتغال‬
‫على مفاهيم السلطة والمعرفة واإلسالم‪ ،‬مؤكداً على قصور النظرية االنقسامية في فهم اإلنسان المغربي‪،‬‬
‫نظراً إلقصائها شبكة الرموز الثقافية‪ ،‬التي يدرك من خاللها هذا األخير تجربته االجتماعية‪.‬‬
‫‪ ‑63‬أيكلمان (ديل)‪« ،‬األنثروبولوجيا والتاريخ ووضعها في المجال األكاديمي»‪ ،‬مجلة كليّة اآلداب والعلوم اإلنسانية الرباط‪ ،‬العدد الثامن عشر‪،‬‬
‫‪ ،1993‬ص‪.118 :‬‬
‫‪18‬‬
‫‪www.mominoun.com‬‬
‫الئحة املراجع املعتمدة‬
‫•باللغة العربية‪:‬‬
‫‪−‬أزايكو (علي صدقي)‪« ،‬حول النظرية التجزئية مطبقة على المغرب»‪ ،‬مجلة كليّة اآلداب والعلوم اإلنسانية الرباط‪،‬‬
‫العدد الرابع عشر‪.1988 ،‬‬
‫‪−‬إيفانس (بريتشارد)‪« ،‬االناسة المجتمعية‪ :‬ديانة البدائيين في نظريات اإلناسيين»‪ ،‬ترجمة حسن قبيسي‪ ،‬دار الحداثة‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬لبنان‑ بيروت‪.1986 ،‬‬
‫‪−‬أيكلمان (ديل)‪« ،‬األنثروبولوجيا والتاريخ ووضعها في المجال األكاديمي»‪ ،‬مجلة كليّة اآلداب والعلوم اإلنسانية‪،‬‬
‫الرباط‪ ،‬العدد الثامن عشر‪.1993 ،‬‬
‫‪−‬بنسالم (ليليا)‪« ،‬التحليل االنقسامي لمجتمعات المغرب الكبير‪ :‬حصيلة وتقويم»‪ ،‬في‪ :‬األنثروبولوجيا والتاريخ (حالة‬
‫المغرب العربي)‪ ،‬ترجمة عبد األحد السبتي وعبد اللطيف الفلق‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪.1988 ،‬‬
‫‪−‬الجوهري (محمد) ومجموعة من الباحثين‪« ،‬األنثروبولوجيا االجتماعية قضايا الموضوع والمنهج»‪ ،‬دار المعرفة‬
‫الجامعية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬اإلسكندرية‪.2003 ،‬‬
‫‪−‬دوركايم (إميل)‪« ،‬في تقسيم العمل االجتماعي»‪ ،‬ترجمة‪ :‬حافظ الجمالي‪ ،‬مجموعة الروائع اإلنسانية‪ ،‬األونيسكو‬
‫(السلسلة العربية)‪ ،‬الطبعة الثانية‪.1986 ،‬‬
‫‪−‬روبيرتس (تيمونز) ‑ هايتي (أيمي)‪« ،‬من الحداثة إلى العولمة‪ :‬رؤى ووجهات نظر في قضية التطور والتغير‬
‫االجتماعي»‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ترجمة سمير الشكيكلي‪ ،‬منشورات عالم المعرفة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الكويت‪.2004 ،‬‬
‫‪−‬سيمور‑ شميت (شارلوت)‪« ،‬موسوعة علم اإلنسان المفاهيم والمصطلحات األنثروبولوجية»‪ ،‬ترجمة مجموعة من‬
‫الباحثين بإشراف محمد الجوهري‪ ،‬المشروع القومي للترجمة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬القاهرة‪.1998 ،‬‬
‫‪−‬شرقي (محمد)‪« ،‬التحوالت االجتماعية بالمغرب من التضامن القبلي إلى الفردانية»‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪.2009 ،‬‬
‫‪−‬ضريف (محمد)‪« ،‬مؤسسة الزوايا بالمغرب»‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لعلم االجتماع السياسي‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪.1992‬‬
‫‪−‬عبد هللا (محمد عبد الرحمن)‪« ،‬النظرية في علم االجتماع‪ :‬النظرية الكالسيكية»‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬اإلسكندرية‪.2006 ،‬‬
‫‪−‬فهيم (حسين)‪« ،‬قصة األنثروبولوجيا فصول في تاريخ علم اإلنسان»‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬العدد ‪.1986 ،89‬‬
‫‪−‬فولف (كريستوف)‪« ،‬علم االناسة‪ :‬التاريخ والثقافة والفلسفة»‪ ،‬ترجمة أبو يعرب مرزوق‪ ،‬الدار المتوسطية للنشر‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬أبو ظبي‪.2009 ،‬‬
‫‪−‬فيليب (البورت) وآخرون‪« ،‬إثنولوجيا أنتروبولوجيا»‪ ،‬ترجمة مصباح الصمد‪ ،‬مجد المؤسسة الجامعية للدراسات‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ 2004 ،‬بيروت ‑ لبنان‪.‬‬
‫‪−‬القصير (أحمد)‪« ،‬منهجية علم االجتماع بين الماركسية والوظيفية والبنيوية»‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬القاهرة‪.2012 ،‬‬
‫‪19‬‬
‫‪www.mominoun.com‬‬
‫‪−‬كلنر (إرنست)‪« ،‬السلطة السياسية والوظيفة الدينية في البوادي المغربية»‪ ،‬في األنثروبولوجيا والتاريخ‪ ،‬حالة المغرب‬
‫العربي‪ ،‬ترجمة عبد األحد السبتي وعبد اللطيف الفلق‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪.1988 ،‬‬
‫‪−‬لكلرك (جيرار)‪« ،‬األنثروبولوجيا واالستعمار»‪ ،‬ترجمة جورج كنتورة‪ ،‬مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬بيروت ‑ لبنان‪.1990 ،‬‬
‫‪−‬مصطفى (شاكر)‪« ،‬قاموس األنثروبولوجيا»‪ ،‬جامعة الكويت‪ ،‬الطبعة األولى‪.1981 ،‬‬
‫‪−‬الهراس (المختار)‪« ،‬القبيلة والسلطة تطور البنيات االجتماعية في شمال المغرب»‪ ،‬المركز الوطني لتنسيق وتخطيط‬
‫البحث العلمي والتقني‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الرباط‪.1988 ،‬‬
‫‪−‬الوكيلي (يونس)‪« ،‬في منهج دراسة المعتقدات السحرية من منظور إميل دوركايم»‪ ،‬ضمن ملف بحثي حول الدين‬
‫والمجتمع ونظرية المعرفة‪ :‬قراءات معاصرة في أعمال إميل دوركهايم‪ ،‬تنسيق يونس الوكيلي‪ ،‬منشورات مؤمنون‬
‫بال حدود‪.2015 ،‬‬
‫‪−‬يتيم عبد الرحمن (عبد هللا)‪« ،‬إميل دوركايم‪ :‬ملمح من حياته وفكره األنتروبولوجي»‪ ،‬مجلة إضافات‪ ،‬العدد ‪ ،20‬شتاء‬
‫‪.2013‬‬
‫•باللغة األجنبية‪:‬‬
‫‪− Alain Mahé, Violence et médiation. Theorie de la segmentarité ou pratique juridique en‬‬
‫‪kabylie, in: Geneses, 32, 1998.‬‬
‫‪− Evans-Pritchard E.E., The Nuer; a description of the modes of livelihood and political‬‬
‫‪institutions of a nilotic people, Oxford, Clarendon Press, 1940.‬‬
‫‪− Hugh Roberts, Perspectives sur les systèmes politiques berbères: à propos de Gellner et de‬‬
‫‪Masqueray, ou l’erreur de Durkheim, trad. ; Abderrezak Dourari, Insaniyat n°27, janvier‬‬
‫‪– mars 2005.‬‬
‫‪− Jeanne Favret-Saada, La SegmentaritéAu Maghreb, In: L’Homme, 1966, tome 6, n °2.‬‬
‫‪20‬‬
‫‪www.mominoun.com‬‬
MominounWithoutBorders
Mominoun
@ Mominoun_sm
‫ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ‬.‫ أﻛﺪال‬- ‫اﻟﺮﺑﺎط‬
: ‫صب‬
+212 537 77 99 54 : ‫اﻟﻬﺎﺗﻒ‬
+212 537 77 88 27 : ‫اﻟﻔﺎﻛﺲ‬
10569
[email protected]
www.mominoun.com
All rights reserved © 2017
2017 © ‫ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‬
Téléchargement