ملخص درس الرغبة والسعادة تتحدد السعادة من الوجهة الفلسفية العامة كحالة إرضاء وإشباع وارتياح تام للذات .هذا الشعور يتولد عن تحقيق الرغبات واللذات .والسعادة أحيانا هي ما نتصوره غاية لنا قبل الحصول على موضوع الرغبة ،أما عدم إشباع الرغبة فينتج عنه شعور بالحرمان واإلحباط والشقاء. وهكذا فإن ديكارت يميز بين أنواع الرغبات تبعا لتعدد الموضوعات التي تنصب عليها .ويختزل هذه الرغبات المتنوعة في رغبتين رئيسيتين :الحب واالبتهاج من جهة ثم الكراهية والنفور من جهة ثانية .وتتولد الرغبة الشديدة في الشيء بفعل تخيل وتصور مقدار اللذة والبهجة التي سنحصل عليها بحصولنا على موضوع الرغبة (تفسير عقالني للرغبة يرجع منشؤها إلى عملية فكرية تصورية) .ويعتبر أن أقوى أنواع البهجة هو االبتهاج الذي يتأتي من الكماالت التي نتصورها في الشخص المحبوب بوصفه ذاتنا األخرى ،في هذه الحالة تأخذ الرغبة اسم "الحب" .يفسر ديكارت الحب على أنه ميل شديد نحو شخص نعتقد أنه ذاتنا األخرى .وهو تصور للحب شبيه بالتصور األفالطوني الذي يقول إن كل نفس قد انشطرت نصفين فأصبح كل نصف متشوقا محبا لنصفه اآلخر أو لمن يعتقد أنه نصفه الثاني. أما أبيقور فيقدم لنا مفهوما يمكن تسميته "اقتصاد اللذة" أو "اقتصاد الرغبة" ،فيبدأ بتحليل دقيق لماهية الرغبات وحقيقتها وأصنافها ليفضي في النهاية إلى سعادة الكفاف أو لذة الحد األدنى .فتكمن السعادة عنده في إشباع الحاجات الطبيعة الضرورية دفعا لأللم ووصوال إلى حالة السكينة أو السالم الداخلي وهي غياب اضطرابات النفس وسالمة البدن .فالسعادة عنده تتمثل في تحقيق اللذات الناتجة عن دفع األلم عن البدن ومسبباته. في حين يميز ابن مسكويه بين اللذات الحسية الحيوانية واللذات العقلية الشريفة :األولى تتعلق بالجسم بينما تتعلق الثانية بالنفس .وعمل على المفاضلة بينهما ،حيث أن اللذة العقلية أي الرغبات العقلية من المعرفة والفكر والحكمة أرقى شأنا وأعلى مرتبة من اللذات البدنية ،والتي تظل عنده محتقرة .وانطالقا من هذا كله، فإن سعادة اإلنسان ال ترتبط بمدى إرضائه لملذاته الحسية ،وذلك العتبارات كثيرة منها :أن اللذة البدنية يشارك فيها اإلنسان جميع الحيوانات كحاجات األكل والشرب. إن الرغبة في تحقيق وإشباع اللذات والشهوات الحسية ،تؤدي إلى جعل النفس أسيرة الشهوات ،ومن ثم ال تستطيع أن تكسر هذه القيود الحسية .فقوى الجسم من العقل والبصر والسمع والحركة ،وغيرها من القوى األخرى ،جعلت في الجسم ال من أجل تحقيق الشهوات والملذات ،وإنما من أجل السمو باللذة العقلية ،فال فرق بين طالب اللذات البدنية وخسائس الحيوانات ،وألن األبيقوريين جعلوا النفس الشريفة كالعبد الحقير، وكاألجير المستعمل في خدمة النفس الشهوانية لتخدمها في اللذات الحسية .ومن هنا فال عجب أن نجد ابن مسكويه يشرف اللذة العقلية ويعلي شأنها ،باعتبارها رغبات إنسانية من نوع آخر ،فهي لذة تامة وشريفة. إن تفضيل اللذة العقلية سيجعل من السعادة خيرا على اإلطالق ،ألننا نطلبها لذاتها كغاية ،ونفضلها لذاتها ال لشيء آخر غيرها .إن أصل هذا التصور للرغبة والسعادة ،يعود إلى نظرة فالسفة المسلمين إلى اإلنسان من خالل الثنائية (نفس /جسد) ،فتم تمجيد النفس والعقل ،واحتقار الجسد والمادة ،بل وجعلوا تحقيق السعادة خاصة ،والفضيلة عامة ،رهينا بمدى تجاوز عوائق البدن وتطهير النفس من الرذائل والشهوات الرديئة. فالجسد حسب ابن مسكويه مرادف للرغبة ،والرغبة توحي إلى تحقيق اللذة الحسية ،وبالتالي عدم تحقيق اإلنسان السعادة المطلقة. ويرى اسبينوزا أنه ليس لإلنسان من قدرة سوى الذهن والعقل من أجل فهم رغباته وانفعاالته وعواطفه والتحكم فيها .فاإلنسان إما منفعال خاضعا لشهواته ومزهوا بنفسه ،وفي ذلك شقاؤه ،وإما فاعال متعقال ومسيطرا على انفعاالته ورغباته ،وهذه هي الصبغة األخالقية التي تحقق لصاحبها االرتياح والسكينة والسعادة. أما السعادة عند الفارابي فتكمن في كمال النفس ،أي تلك المرتبطة بالعقل ،على حساب السعادة المرتبطة بالجسد أو بالمادة بصفة عامة .إن سعادة اإلنسان هي إذن في النفس العاقلة المجدة في طلب العلم والمعرفة والتأمل واستعمال العقل .لذلك اعتبر الفارابي الفلسفة سبيل السعادة ،لقدرتها على التمييز بين الخير والشر. فبالفلسفة نسعى إلى بلوغ الحقيقة ،بهذا السعي تحصل السعادة القصوى (سعادة العقل) .كما يؤكد على أن السعادة تتحقق فقط في مجتمع المدينة ،فهي ال تحصل لإلنسان بوصفه فردا ،بل ضمن الجماعة تماشيا مع 1 فطرة اإلنسان في التعاون ،فشرط تحقيق السعادة إذن هو االتفاق واالجتماع داخل مجتمع منظم (المدينة الفاضلة). وبحكم نزعته العقالنية المثالية فقد أعطى أفالطون أهمية لعالم المثل أي عالم المعقوالت واألفكار الخالدة، فالسعادة في منظوره تعني العودة إلى "عالم المثل" عالم تحرر النفس من الجسم حيث تجد هذه النفس سعادتها. كما يرى أن السعادة ليس شأنا شخصيا بقدر ما هي قضية تتعلق بالمدينة ككل وبالتالي ال يمكن تحقيق الكمال إال في مدينة محكمة التنظيم وفي ظل نظام تسوده العدالة .فتتمثل السعادة بالنسبة ألفالطون عندئذ في سعادة المدينة ككل والتي تتحقق باالنسجام بين جميع أطرافها وشرائحها. ينتقد أرسطو التصور األفالطوني للسعادة ،ويرى أن السعادة هي لإلنسان من حيث هو مركب من بدن ونفس .فالسعادة عنده توازن بين تلبية حاجات الجسم وتحقيق فضائل النفس .ويربط أرسطو السعادة بالفضائل، والفضائل متعددة منها :االنسجام في النفس ،واالنسجام بين النفس والجسم ،وهي كذلك فضائل عقلية تتجلى في الحكمة والعلم والتعقل .والسعادة عنده هي غاية بل غاية الغايات وهي تطلب لذاتها .كما نفى أن تكون السعادة قدرة فطرية وإال ملكها الكسالى والخاملون ،ولكانت موجودة بالفطرة عند غير اإلنسان ،وقسم السعادة إلى ثالث أنواع :األولى :السعادة الحسية وهي سعادة اللذة الجسدية ،أما الثانية فهي السعادة السياسية مطلوبة من الكثير من الناس ،ولكنهم ما يلبثوا أن يشعروا بالتعاسة عندما يفقدوا مراكزهم ،والنوع الثالث هي السعادة العقلية فهي التي ترمي إلى تحقيق الفضيلة باعتبار أنها العمل بمقتضى الحكمة. أما حسب برتراند راسل فالسعادة باعتبارها غاية كل إنسان تبنى داخل مجال العالقات اإلنسانية التي يختلط فيها واجب إسعاد الذات مع واجب إسعاد الغير ،فالسعادة الحقيقية تنبثق من الذات بصورة تلقائية تجاه الغير، دون أن تكون نابعة من فكرة التضحية بالذات التي يفرضها الواجب ،فهو يدافع على أحقية الجميع بالتمتع بالسعادة لكن من منطلق أن واجب إسعاد الذات هو قاعدة إسعاد الغير. من جهته فيرى آالن أن السعادة واجب نحو الغير إال أن ذلك يجب أن يتم من خالل إسعاد ذاتي أوال وهو أمر قابل للتحقيق إذا كانت لي الرغبة واإلرادة ،فالسعادة ال توجد هناك في تقابل مع الذات بل يجب أن نصنعها ونناضل من أجلها وهذا يعني أال ننتظر السعادة لتأتي إلينا ،وال يعني كذلك استحالة الحصول عليها أو بلوغها ،وال أنها وهم ،بل يعني هذا أن نعمل على تحصيلها ،كما يرى أن السعادة مطلب جماعي وواجب نحو الغير وهي بذلك قيمة أخالقية يمكن تحقيقها إذا تعلمنا فن الحياة السعيدة ،وذلك بعدم الحديث عما يحزننا وكل ما من شأنه أن يحزن اآلخرين .إن الرغبة في امتالك السعادة تعتبر حسب أالن من األشياء المستحيلة ذلك أن السعادة هي دائما شيء غير متوقع فاألمل في السعادة هو السعادة و هي ال تكون تامة إال عندما نشتركها مع اآلخرين . أما كانط فيرفض أن تكون السعادة هي أساس األخالق ،هذا ال يعني أن كانط يرفض السعادة بل يرى أننا نستحق أن نكون سعداء طالما كانت الفضيلة شرط السعادة ،فعندما يصبح نيل السعادة دافع اإلنسان للقيام بواجبه ،ال يبقى هذا اإلنسان فاضال ،ويفقد بالتالي حقه في السعادة ،لذا يجب على اإلنسان أن يقوم بواجبه لمجرد أنه واجب بغض النظر عن أي منفعة بما في ذلك السعادة نفسها .كما يرى كانط أن السعادة مثل أعلى idéalللخيال يحاول اإلنسان بلوغه دون أن يتمكن من ذلك. من جهته فإن سينيكا الذي يمثل تصور المدرسة الرواقية يقدم مجموعة من الشروط األساسية لتحقيق السعادة، والمتمثلة أساسا في حسن استخدام العقل من أجل إدراك الحقيقة والتصرف وفقا لمبادئ العقل األخالقي .كما تتمثل السعادة عنده في السيطرة على الرغبات والتحكم في الملذات الحسية ،وعدم المبالغة في التفكير في المستقبل. في حين يرى جون جاك روسو أن االنتقال من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع نتج عنه فقدان اإلنسان سعادته وتحول البحث عنها إلى شقاء دائم. 2